رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

حياتنا «مسرحنا» الكبير

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أنتَ تُشبه بالمرّة ذلك الذي هو أنت.. وكلما دنوتَ من ذلك الذي يشبهك.. اكتشفتَ أنّك لستَ أنت أنت كما أنّه هو ليس هو أنت.. إذن فمن هو أنتَ؟! لستُ بالذي ينشط هاهنا ليجترح فلسفةً ليس من اليسير أن تتقبّلها عقلية «قارئ» يأبى أن ينفعل قراءةً إلا بما يألفه مبنىً/ من حيث اللغة صياغةً وما تعوّدهُ من معنىً/ يتفقُّ مع ما يعرفهُ سلفاً!! ذلك أنّ «القارئ» في غنىً عن أن يشقي عقله رهقاً بما لا يجدي نفعاً حسبما يرى!
أعود – دون فذلكة – إلى الأصل من المقالة وهو محاولة في الإجابة عن سؤال: مَن أنتَ؟ أنتَ – يا صاحبي – واحدٌ مِن شخوص (مسرحيّةٍ) وجدتَ نفسك فجأةً ملقىً على خشبتها.. إذ ألفيتَ قفاك إلى الناس في حين كان وجهك وحده مكبّاً يمشي وفق إرادة سواك.. ثمة أدوار (مسرحيّة) قد أنيطت بك أداءً ليس من شأنك سوى أن تتقمّصها كما قد رُقِّمتَ – أنت َبوصفك سطراً – في نصّ مسرحيةٍ ذات فصلٍ واحدٍ وطويل بالمرّة.. المخرج هو من يعنى بحراكك حتى أنه ليتحكّم بكلّ سكناتك.. يحدّد لك بؤرة الضوء التي يجب أن تتسمّر في عمقها.. هنا يُقال لك: يجب أن تستأنف الكلام.
إذ لا يُمكنك أن تتكلم إلا حين يؤذن لك بحسب ما كان مكتوباً بـ «النص» قبلاً… اضغط على الحرف حين تتلفظ هذه الجملة.. بينما في تلفظك بالجملة الأخرى ما عليك سوى أن تخفض من صوتك بالكاد أن تُسمع نفسك.. هنا في الركن القصي من المسرح حيث لا إضاءة عليك أن تضحك وبقهقةٍ عاليةٍ وإن تشأ تخفف من ملابسك.. التزم «الحشمة» فقط حيث تتبعك بؤرة الضوء.. إذ ليس للحشمة من معنىً في مكانٍ لا يراك الناسُ فيه.!
انتهى دوركَ القصيرُ في «مسرحيةٍ» لم تكن أنت مَن اختار المشاركة فيها! الشيء المدهش أنّكَ لا تعرف أيهما كانَ أولاً: هل أنّ دورك – في المسرحية – قد انتهى فعلاً فـ «مُتَّ»؟! أم أنّك قد لقيت حتفك – متّ بطريقةٍ أو بأخرى – أولاً ثم أعلنوا تالياً: عن انتهاء دورك الذي فرضوا عليك أن تلعبه في المسرحية التي كُتبت لتنتهي من خلالها «حياتك» على نحو مأساويٍّ بائس.!!
مشيناها خُطىً كتبت علينا ومن كُتِبَت عليه خطىً مشاها ومن كانت منيتُهُ بأرضٍ فليسَ يموتُ في أرضٍ سواها
لعل «الدريني» صاحب هذه الأبيات غفلَ عن أن ثمّة (كتابةً) للخطى الممشيّة يكتبها «أباطرة» المسرح وبسبب من احترافهم «الكتابي» تخال المسألة محض «قضاءٍ وقدر» وليس الأمر كذلك.! حدّق في وجوهِ مَن يُشاركونك «المسرحية».. تأملها جيداً.. تبدو «آدميّةً» أليس كذلك؟!.. إذ خلقت من صلصالٍ كالفخار لكن المأساة أنّه ما من «إنسان» يسكنها فاستحالت قوالب «خرسانيّة»! فليس بغريبٍ إذن أن تُكشّر عن «قسوتها»!!.. بمعنىً آخر: أن تُحب «الإنسان» لكن لا تستطيع أن تكونَ «هو»!! ستبقى «الحياةُ» مسرحاً كبيراً البطل فيها مَن يمتلك كماً أكبر من «الأقنعة»، وثمّة «نفاق» هو الذي يمتلك الأصابع التي تُحركنا بوصفنا «دُمىً»! وليس في الكواليس غير «أشباح» يصعب عليها أن «تحلم» ذلك أنها لا تنام!!
أسمع دويّاً لتصفيق يُحدث صدىً في القاعة، التفتُّ فإذا «المسرحية» لم تحظَ إلا بـ «مشاهدٍ» واحدٍ كان في المؤخرة.. وكان تصفيقه يأتي ببطءٍ مع أنّ عرض المسرحية لم ينتهِ بعد، ثم وقف وقبل أن يدير ظهره لخشبة المسرح قال «الصمتُ حسرة» وراح يرددها ثلاثاً.. ثم أردف بصراخ: لقد مات كل الذين آمنوا بأنّ «الصمت حكمة»!
بيتان لأبي العلاء قد لا نتفق معهما لكنهما جديران بالقراءة تأملاً: الصمتُ أولى، وما رِجلٌ ممنعة إلا لها بصروف الدهر تعثير والعقل زين، ولكن فوقه قدر فما له في ابتغاء الرزق تأثير
نقلا عن "الشرق"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up