رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

كيف تتجاوز وزارة الإسكان تحدياتها؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يستكمل المقال ما بدأ الحديث عنه سابقا في المقالين الأخيرين، بالتركيز على المحور السابع المتعلق بما على وزارة الإسكان القيام به الآن ومستقبلا، تحت التطورات والمتغيرات الراهنة التي تخضع لها سوق الإسكان المحلية، انطلاقا من حقيقة واقع اعترفت الوزارة نفسها به أخيرا أن "90 في المائة من الوحدات السكنية المعروضة للبيع في الوقت الراهن تفتقر إلى الجودة، وبناء عليه؛ نقف جميعا أمام أزمتي إسكان لا أزمة واحدة! الأزمة الأولى: تتمثل في انخفاض نسبة تملك الأفراد لمساكنهم. الأزمة الثانية: تتمثل في عدم توافر الوحدات السكنية الملتزمة بالمواصفات الهندسية الجيدة".
وفقا لهذه الحقائق الصلبة، أصبح واجبا على وزارة الإسكان مضاعفة جهودها أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن ومستقبلا، وضرورة أن تتحرك وفق منظومة عمل متكاملة مع الأجهزة الحكومية الأخرى ذات العلاقة، مستهدفة تجاوز تحديات هذه الأزمة التنموية الكأداء، التي انكشفت أسبابها تماما، وتبين أنها لم تكن موجودة في الأصل لولا تلك الأسباب أو التشوهات المفتعلة جزءا منها، وجزء آخر نتج عن غياب الأنظمة والإجراءات المقيدة لاحتكار واكتناز الأراضي بمساحات شاسعة جدا، زاد من فواجعها وآثارها السلبية ارتفاع وتيرة المضاربات على الجزء اليسير منها المتاح للبيع والشراء.
بدأت في المقال الأخير "أزمة تملك مساكن لا أزمة إسكان" بذكر أول مهمتين ضمن حزمة أوسع من المهام والإجراءات، التي قد ترى وزارة الإسكان الأخذ بها، علما أن الوزارة قد بادرت مشكورة باتخاذ خطوات وجهود عديدة في هذا الاتجاه، وهنا أؤكد عليها على نحو مختصر ومحدد تضامنا معها، آملين جميعا أن تكلل جهودها الراهنة ومستقبلا بالنجاح والتحقق على أرض الواقع، بما يخدم ويلبي تطلعاتنا جميعا.
المهمة الأولى: تسريع وزارة الإسكان تطبيق الأنظمة والإجراءات الهادفة إلى خفض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، يأتي في مقدمة تلك الإجراءات تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء على أوسع نطاق ممكن، الذي سيؤدي إلى تفكيك أكبر وأخطر آفة عانتها سوق الإسكان، المتمثلة في احتكار مساحات شاسعة جدا من الأراضي داخل المدن والمحافظات في يد قلة من الأفراد، نتج عنه، مقابل الارتفاع المتنامي لأفراد المجتمع على الإسكان، وتحت ارتفاع حدة المضاربات العقارية على أقل من 9 في المائة من مساحات تلك الأراضي، تضخم وارتفاع أسعارها بصورة خرجت تماما عن السيطرة، ووصلت لمستويات سعرية فاقت حتى قدرة الطبقات الغنية والمقتدرة في المجتمع، دع عنك الطبقات المتوسطة الدخل فما دون!
من الجيد هنا الإشارة إلى النتائج الفعلية التي تحققت خلال الفترة الماضية على الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، جاءت نتيجة تضافر عدد من العوامل الاقتصادية والمالية، إضافة إلى الإصلاحات والإجراءات التي اتخذتها الدولة حتى تاريخه، ترتب عليها زيادة الضغوط على الأسعار السوقية المتضخمة للأصول العقارية المختلفة، حيث أظهرت الاتجاهات السعرية متوسطة الأجل لمختلف تلك الأصول السكنية، انخفاضا في متوسطات الأسعار السنوية المسجلة خلال العام الجاري لكل من العمائر والفلل وقطع الأراضي والشقق السكنية، جاءت حسب الترتيب: انخفاض 47.9 في المائة لمتوسط أسعار العمائر السكنية، وانخفاض متوسط أسعار الفلل السكنية 16.9 في المائة، وانخفاض متوسط سعر المتر المربع للأراضي السكنية 14.3 في المائة "بلغ نحو 37.5 في المائة مقارنة بالذروة السعرية لسعر المتر المربع للأرض"، أخيرا انخفاض متوسط سعر الشقة السكنية 4.9 في المائة فقط.
إلا أنه مقابل الارتفاع الكبير جدا للأسعار خلال الفترة 2006 - 2015، تظل كل تلك الانخفاضات السعرية المشار إليها أعلاه محدودة جدا، بما يؤكد أن طريق الإصلاح والمعالجة ما زال طويلا جدا، لكن يمكن اختصاره وتسريع نتائجه عبر تطبيق أوسع نطاقا، وأكثر صرامة لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، سيحقق بالتضافر مع الجهود والإجراءات الأخرى المبذولة في الخروج سريعا بمشيئة الله تعالى من براثن هذه الأزمة التنموية.
المهمة الثانية: تفعيل إجراءات تنظيم عقود الإيجارات وتشديدها، والعمل على زيادة شفافية السوق أمام عموم الأطراف، التي ستؤدي دون شك إلى خفض تكلفة الإيجارات، كون المعروض من الوحدات السكنية سواء للبيع أو للإيجار أكبر من حجم الطلب، إضافة إلى عديد من الإجراءات والخطوات المهمة. تتعلق المهمة هنا بجانب بالغ الأهمية للكثير من الأفراد المستأجرين لمساكنهم، التي متى ما تحققت حلولها العديدة، وأولها خفض تكلفة إيجارات المساكن، سيخف جزءا كبيرا من أعباء أزمة تملك المساكن، سواء على كاهل الأفراد أو على كاهل وزارة الإسكان، تختفي معه ضغوط عامل الزمن، وانتظار موعد تملك المسكن من قبل الأفراد، حينما تنخفض نسب استقطاع الإيجارات من الدخل السنوي لما دون 15 في المائة، عوضا عن النسب المرتفعة في الفترة الراهنة، التي تتجاوز 55 في المائة، وأحيانا تتجاوز 65 في المائة بالنسبة للأفراد محدودي ومنخفضي الدخل.
إنه الأمر القابل للتحقق، وبصورة سريعة خلال أقل من عام واحد، خاصة أمام توافر فوائض هائلة من المساكن الشاغرة الخالية من السكان. وتكمن أهمية تحقق هذا الهدف المنشود، في التخفيف الكبير لضغوط الانتظار زمنيا بالنسبة للأفراد، وفي الوقت ذاته منح وزارة الإسكان الوقت الكافي لمعالجة الأزمة بأقل التكاليف المادية، وتحت أقل الضغوط المجتمعية التي تراقبها لحظة بلحظة، ترقبا لأي إنجاز وتقدم على أرض الواقع من قبلها.
المهمة الثالثة: بالتزامن مع ما سبق، يفترض بوزارة الإسكان ابتكار مزيد من قنوات التمويل لمن يمتلكون أراضيهم السكنية، وتقديم التسهيلات اللازمة لمساعدتهم على بناء مساكنهم الخاصة، تحت المعايير الرقابية التي تحقق جودة البناء، وفتح قنوات الاتصال المباشر بينهم وبين شركات التطوير (محلية، أجنبية). كما يجب الأخذ في الاعتبار، أن هذا الخيار قد يتطور ويتوسع مستقبلا، مع النجاح المأمول والمنتظر لتطبيق نظام الرسوم على الأراضي، إذ ستتمكن شريحة الأفراد ذوي الدخل المرتفع والأعلى من المتوسط من شراء الأراضي المناسبة لهم بأسعار أكثر عدالة، ويصبح متاحا أمامهم بناء مساكنهم خارج دائرة وزارة الإسكان، وتخفيف الضغوط عليها بصورة كبيرة. فهل نرى برامج تمويل كبرنامج القرض المعجل لأصحاب الأراضي؟
المهمة الرابعة: أن تعمل وزارة الإسكان على ركيزتين، الأولى: المتعلقة بمعالجة الأزمة في الأجل القصير، ولعل أكثرها أهمية ما يرتبط بشريحة السكان فوق سن الـ 50 عاما، وأغلب تلك الشريحة هم من المتقاعدين، الذين تعجز أية حلول تمويل عن خدمتهم، وتزداد الأعباء هنا إذا ما أضيف إليهم محدودو الدخل والأرامل والمطلقات، فلتكن هذه الشريحة هي الهدف الأول للوزارة. الركيزة الثانية: أن تعلم وزارة الإسكان أن نجاحها على مستوى خفض الأسعار المتضخمة كما تقدم ذكره، سيسهم في زيادة فرصها في الأجلين المتوسط والطويل نحو معالجة الأزمة، ويتيح لبقية شرائح المجتمع معالجة أزمة تملك السكن وفق ما تتمتع به من قدرات مادية، هذا بشرط انخفاض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات. والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up