رئيس التحرير : مشعل العريفي

" الأمواج البشرية " تظهر من جديد في حلب!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيفة المرصد - أورينت: تعتبر معركة حلب الحالية معركة إيران وروسيا بامتياز في سوريا، على الرغم من كل ادعاءات النظام أنه القوة الأساسية فيها، وأن كل القوى الأخرى المشاركة هي قوى "رديفة"، ، فالطائرات الروسية والميليشيات الشيعية تعتبران العاملين الأهم في هذه المعركة، إضافة لماكينة إعلامية ضخمة، تحاول ليل نهار إقناع السوريين أن معركة حلب هي "النهاية"، وأنهم بمجرد سقوط آخر جدار في المدينة، يجب أن يلقوا أسلحتهم ويستسلموا، حيث تتجاهل هذه الحرب النفسية فكرة أن النظام لا يسيطر إلا على أقل من 30% من مساحة سوريا، وأنه يزج بكامل قوته العسكرية للسيطرة على مدينة واحدة، وما يزال يعجز عن ذلك، رغم أنه يقاتل على جبهة واحدة!
فقد زجت إيران في هذه المعركة بقوات كبيرة من الميليشيات الشيعية، والتي استفادت من تجربتها في حربها ضد العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي في إنتاجها.
أمواج بشرية في حلب! اتبعت إيران في معركة حلب الأخيرة تكتيكاً جديداً في الهجوم على الثوار، فاعتمدت على تقنية "الأمواج البشرية"، في التقدم للمناطق التي تسعى للسيطرة عليها خلال المراحل الحالية من معركة حلب، حيث يتكون تكتيكها في الدخول إلى المناطق في حلب من عدة مراحل، فبداية بعمليات الاستطلاع الواسعة البصرية سواء من الارض أو عبر الطائرات بدون طيار، التي تمسح المنطقة بشكل دقيق، تتلوها مرحلة القصف التمهيدي الكثيف بالطائرات والمدفعية، والذي يشمل المناطق التي تسعى إيران للسيطرة عليها.
فيستمر القصف لمدة تصل من الست إلى سبع ساعات، من القصف العنيف المساحي، الذي يستهدف بشكل أساسي إجبار المدافعين المتمترسين في المنطقة على التقهقر منها خشية الإبادة، خصوصاً مع كثافة القصف الذي تستخدم فيه المدفعية والمدفعية الصاروخية مختلفة العيارات، بداية بالهاونات عيار 81 ملم وصولاً إلى صواريخ فجر 5 الإيرانية ذات العيار 333 ملم، التي شوهدت بقاياها مؤخراً في حلب، وصواريخ الفيل وأشباهها، إضافة للقصف من الطائرات سواء الروسية و طائرات النظام.
تتلو مرحلة القصف التمهيدي مرحلة "الهجوم المباشر"، والتي تعتمد بالأساس على المشاة بالمقام الأول، والذين يتلقون الدعم الناري المباشر من الوسائط النارية المختلفة للنظام والميليشيات الايرانية، حيث ينخفض دور المدفعية الميدانية والطائرات في هذه المرحلة إلى حد كبير، وتتحول مسؤولية التغطية النارية للميليشيات والنظام إلى الوسائط النارية المرافقة لتلك القوات من مدفعية مضادة للطيران، وقواذف مضادة للدبابات(موجهة)، ودبابات ومدفعية عديمة الارتداد وعربات مدرعة مختلفة، وغيرها من وسائط الرمي المباشر، والتي تؤمن إسكات ما تبقى من نقاط المقاومة التي لم ينسحب الثوار منها، بتسليط النيران عليها بشكل مباشر.
تحت التغطية النارية الكبيرة لهذه الوسائط، تبدأ أعداد كبيرة من المشاة بالتحرك السريع نسبياً، باتجاه القطاعات التي يريد النظام وإيران السيطرة عليها مستغلة نتائج القصف التمهيدي والاسناد الناري المباشر (تقهقر المدافعين)،فتندفع هذه القوات للسيطرة على الأبنية المختلفة، حيث لا يوجد اكتراث حقيقي بالخسائر التي تصيب هؤلاء العناصر، فهم ليسوا إيرانيين بالمجمل، بل تتكون القوات المهاجمة بالمقام الأول من عناصر أفغانية وعناصر جدد للنظام من المجندين والمتطوعين الجدد في ميليشياته (ظهر فيديو لعنصر أسير مضى له ثلاثة أشهر لدى النظام فقط!) إضافة لعناصر من حزب الله ولواء القدس الفلسطيني، ثم نسبة أقل من العناصر الإيرانية في الخطوط الخلفية.
إحدى مهام هذه الكتل الكبيرة من العناصر التي يدفعها النظام وإيران، هي كشف مصادر الرمايات المختلفة للمدافعين وتشتيت رماياتها، ما يسمح للأجزاء المتأخرة منها، إضافة لوسائط الاسناد المباشر الرماية عليها وتحييدها، ما يجعلها في بعض الأحيان بمثابة الطعم لكشف مواقع الثوار، ومرابض أسلحتهم وبخاصة المتوسطة والثقيلة، وتحديد الأبنية التي يتحصنون فيها، (تكون هذه المعلومات مفيدة في حال فشل الهجوم، في تحديد خطة الدفاع وطبيعته ومقدار القوة المدافعة وتسليحها، ونقاط تمركزها وحتى خطوط انسحابها وهجومها المعاكس).
فعلياً يتركز عمل هذه "الأمواج البشرية" على الاستفادة من تأثير القصف التمهيدي العنيف، وإشغال المساحات والأبنية التي يخليها الثوار بسبب القصف، إضافة لتشتيت جهد الثوار العسكري، واستهلاك ذخيرتهم وإرهاقهم، وكشف مواقعهم.
تكتيك الأمواج البشرية الايراني هو تكتيك قديم، تعيده الآن إيران إلى الواجهة بعد إضافة بعض التعديلات عليه، فهي في الحرب في سوريا متفوقة نارياً وعسكرياً وعددياً بشكل كبير (مقارنة بحرب القادسية)، لكنها مضطرة لاستخدامه بسبب فشلها الحقيقي في إحراز تقدم، باستخدام أساليب الهجوم الأخرى في حلب، خصوصاً أنها تدرك أن الثوار قادرون على صد الهجمات الكلاسيكية لقواتها خلال أعوام من الحرب ضدها، فهي تسابق الزمن للوصول إلى السيطرة على كامل أحياء حلب ، بأسرع ما يمكن خشية من أي تطورات للأحداث لا تستطيع السيطرة عليها.
التعامل مع الأمواج البشرية أحد أهم طرق التعامل مع هذه التكتيكات التي تستخدمها إيران في حلب، هو تدمير منظومة التحكم والسيطرة لهذه القوات، أو تعطيلها على الأقل خلال مراحل تقدم المشاة، ما يساهم في فشل هذه الهجمات، خصوصاً أنها يجب أن تكون منسقة بشكل كبير حتى تنجح، فقد تكون أجهزة التشويش اللاسلكي وقصف عقد الاتصالات هو الحل الأكثر عملية في هذه المرحلة (على الرغم من صعوبة تحقيقه)، يضاف إلى ذلك تخفيض فعالية وسائل الاستطلاع البصرية، التي تستخدم قبل الهجوم والتي تكشف الكثير للقوات المهاجمة، عبر الاستثمار في التمويه بكافة أشكاله، سواء أغطية التمويه أو الدخان (وهو أمر يهمله الثوار بشكل كبير).
إضافة لدور الاستحكامات الهندسية المختلفة في تقليل فعالية القصف التمهيدي، والتي إذا بنيت بأسلوب ملائم فهي ستسمح بالحد من أثر القصف التمهيدي، وتسمح للثوار بالثبات أكثر في المناطق التي يرابطون فيها، ويضاف إلى ذلك العوائق الهندسية المختلفة التي يمكن أن يكون لها دور أساسي في منع اندفاع المشاة والعربات المختلفة، وتسمح بتكدسهم في مناطق قتل مكشوفة لأسلحة الثوار.
كذلك إنشاء خطوط دفاع عميقة، ما يسمح بمواصلة الدفاع عن المنطقة حتى في حالة حصول تقدم للكتل العناصر المندفعين تجاه المناطق، وإيقاع أكبر خسائر ممكن فيهم حتى صدهم، أو تطويقهم وأسرهم.
التنسيق مع الثوار في المناطق خارج حلب (المحيطة بحلب)، بهدف الحصول على إسناد ناري ولو بالحدود الدنيا على مواقع النظام داخل المدينة، وبخاصة مناطق تحشدات قواته على محاور الهجوم (أثناء عملية التحشد واحتلال قواعد الانطلاق للهجوم)، واستخدام وسائل الاستطلاع المختلفة وبخاصة الطائرات المسيرة لاستكشاف مناطق تحشد النظام وحلفائه وقصفها، ما يساهم في تخفيض فعالية الهجوم قبل بدايته وكسر نفسية المهاجمين قبل انطلاقهم.
تنفيذ الهجمات المضاد المدروسة ضد الكتل الرئيسية للهجوم (قبل بدايته)، ما يعني إضعاف أهم نقاط الهجوم وإفشاله قبل حتى أن يبدأ، فالعناصر الموجودة لدى النظام فعالة في حالة الهجوم أكثر من الدفاع بسبب طبيعتها وتكوينها، وحاجتها الدائمة لإسناد ناري كبير وتفوق عددي ونوعي في أي معركة، وعلى الرغم من هذا فنتائجها تعيسة جداً مقارنة بالمقدرات التي تحصل عليها، إضافة لسهولة التأثير على الروح المعنوية لعناصر هذه الوحدات فهم بالمجمل من المرتزقة أو المجندين الجدد عديمي الخبرة والصغار في السن.
مولدات الدخان والقنابل الدخانية (مدفعية وصواريخ) تكون فعالة في كسر اندفاع هذه الأمواج البشرية وشل حركتها، خصوصاً إذا ترافقت مع قصف مركز على مؤخرة القوات المهاجمة، ما يعني انهيار الروح المعنوية لهذه القوات وهربها واستسلامها إضافة لسقوط خسائر بنيرانها بسبب عدم إمكانية تمييز الصديق من العدو.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up