رئيس التحرير : مشعل العريفي
 سمر المقرن
سمر المقرن

الصورة.. قبيحة!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

سألوني كثيراً، لماذا لم تكتبي عن حلب؟ لم أجب، فالصمت -أحياناً- يحمل لغة استنكار أقوى من كل ما يُمكن أن يُكتب، والصمت في أحيانٍ أخرى تعبير عن الألم، وفي الوقت ذاته هروب من الحالة السوداوية التي تحيط بنا في هذا العالم العربي.
كتبت كثيراً عن سوريا، كتبت عن الجراح، عن الوجع، لم أكتب في حياتي عن شيء إلا وأشعر به، أشعر بتفاصيله، أشعر بآلام كل طفل، وفي أذني أنين نواح كل امرأة، ويُطبق على رأسي صوت التفجيرات والقنابل والرصاص، ووصلت إلى قناعة أن ترجمة هذا الوجع في كتابة مقال هو وجع لي وحدي، أعيشه وأخسر أعصابي وراحتي وصحتي ولن يتغير صوت القنابل ولن يهدأ نواح النساء.
إذن عليّ أنا أن أهدأ، أن أتألم بطريقة مختلفة، فليس بالضرورة الكتابة هي المشاركة أو تعبير عن القضية، لا أخفيكم، هذه الأحداث وزيادة الاحتقان الناتج عنها، وما يُكتب وما يُبث على القنوات ومواقع الانترنت من أوضاع مأساوية، هي سبب رئيسي في جعلنا نفقد كل يوم من أبنائنا من تأخذه الحماسة وينضم إلى تلك العصابات الإرهابية، مع أنه لو فكر قليلاً لوجد أن انضمامه لن يغير شيئاً في القضية المأساوية المستمرة، إنما سينهيه وينهي أسرته. مثلما فكرت (أنا) تماماً بأن الكتابة الموجعة تستهلك أعصابي وتؤثر على الأشياء الجميلة في حياتي، وعلى الناس الذين هم بحاجتي أكثر من الصور المأساوية التي لن يضيف لها حبر القلم أي جمال، لأن الصورة في واقعها قبيحة للغاية، لذا الصد عنها هو الحل بالنسبة لي.
يعتقد -بعضهم- أنه من الضروري أن تشارك بأحزانك في كتابة مقال أو تغريدة في تويتر أو حتى حديث عابر عبر سناب شات، وترجمة الأحزان ليس بالضرورة أن يكون بمثل هذه الأساليب، فالصمت قد يكون أقوى من كل شيء، وعدم الكتابة لا يعني عدم الشعور بالحزن والألم على ما يدور في حلب أو غيرها، فالألم موجود في كل إنسان عربي، لأن الجرح في كل منا غائر إلى حد الإنهاك.
ويعتقد -بعضهم- أن كتابة مقال أو نشر تغريدة بصورة موجعة هو نهاية أداء الواجب تجاه القضية، حيث يشعر بعدها بالراحة لقيامه بدوره في الشجب والاستنكار ممهوراً بسيل من اللعنات، لكن هل بعد هذا ستتحرر حلب وسيضمد الجرح السوري؟! لذا قد أكون ممن اختار أن يُضمد جراحه بنفسه ويدير ظهره للصورة القبيحة، لأن الحياة مليئة بالأشياء الجميلة التي تستحق أن نقف أمامها ونتأملها ونعيشها!
نقلا عن "الجزيرة"

arrow up