رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

أتاك - يا بريدة - الرّبيعُ القصصيُّ مُختلساً..!!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ليست بريدةُ بكبير حاجةٍ إلى «قصّاصين» وبخاصةٍ من أولئك النّفرِ الذين ليس من شأنِهم سوى الاشتغالِ على إعادةِ سيرة (محمد بن حجّاج اللخميّ الواسطي) نزيل بغداد «ت 181» ذلك الذي وضعَ في الأمة حديثاً في منافع الهريسة عن حذيفة مرفوعاً «أطعمني جبريل الهريسة لأشدّ بها ظهري لقيام الليل» قال الذهبي في ميزان الاعتدال: وكان محمد بن حجّاج هذا صاحب هريسة.!
ولو أنّ الذهبيَّ – رحمه الله تعالى – قد أدركَ زماننا هذا لعلمَ – علم اليقين – أنّ صاحبَ الهريسة لم يعد هو (الحلوياتي) الغِر الذي يفتري الكذب من أجل أن تنفق سلعتَه، ذلك أنّ زماننا هذا قد أفرز «أصحاب هريسةٍ» أعلى شأناً ممن باتوا حفيّين بدبس «الانستجرام» ذي المليونيّ متابعٍ وها هو (أوسعهم مليونيّةً) يبتغي مليوناً ثالثاً؛ إذ لا يملأ جوف «الشّهرةِ» إلا التراب.. ولا تسأل إذ ذاك عن «تويتر» وشقيقاته، إنها «الهريسة» الأكثر مبيعاً في زمنٍ لم نعرف فيه تفاقم «الحُزن» إلا من بعد كتابٍ كانت لاؤه أوفر حضوراً من «نَعَمِهَا» ما جعل «العقلاء» يُسمّون العام الذي صدر فيه ذلك الكتاب «عام الحزن»! سألني أحدُهم وقد كست الدهشةُ ملامحَه قائلا: أليست بريدة دار علمٍ وأهل فقه ونظر/ وفحص إذ يَميزون الغثّ من السمين؟! أجبته: بلى. فتساءل ثانيةً: إذا كان الأمرُ كذلك فلماذا إذن أكثر منطقةٍ تَنفقُ فيها بضاعة «القصّاصين» الكاسدة يكون في بريدة؟!
أعترفُ أنّه أغرقني بسؤاله ما حرّضني إجابةً على هذا النحو: صحيحٌ ما قلتَه عن بريدة وأهلها، ويوشك الجميع أن يشهدوا لها بما أفصحتَ توّاً عنه غير أنّ جملةً كبيرةً من ناسِها لم يزالوا بعْدُ ينحشرون في زمرة «الطّيبين» الذين هُم إلى الدّروشة أقرب ولا حظّ لهم من فقهٍ ولا مِن تعقّل، الأمر الذي انتهى بأكثرهم إلى الاستعاضة عن فريضة «التفكير» بفضوليّة العشق لـ (الجَمْعة) إذ يعزّ على أحدهم أن يُفوّت أيَّ اكتظاظٍ بشريٍّ حتى لو كان حادث سير «تصطدم فيه سيارةٌ بحمار» ما يعني أنّ زبائن «القصّاصين» الذين يختلفون إلى مجالس «سواليفهم/ محاضراتهم» لا يكاد الغالبُ منهم أن ينعتق من أسْرِ هذه النوعيّة التي ينصرفُ كبيرُ اهتمامها إلى مجرد «الحضور» بوصفه «تجمّعاً» لا يُمكن أن يفوّت، فكيف إذا انضافت إليه صفة «دينية/شرعيّة»؟! ومن عجبٍ أنّها لا تجد بأساً في أن تسمع «كلاماً» من ذات «القاص»؛ إذ يُحاضر فيهم فتثني عليه – وتُكبّر – استحساناً لقوله الفصل!! ثم لا يلبث – القاص نفسُهُ – من بعدِ زمنٍ ليس بالبعيد أن يقول فيهم كلاماً من شأنِه أن ينقضَ كلّ ما قاله قبلا فيتلقونه كسابقه بذاتِ القبول المطلق وكأن شيئاً لم يحدُث!! ولئن جادلت أحدَهم في سبيل إيقاظه من نومته «الكهفيّة» فإنك لن تجد أذنا صاغية ختمَ الله على سمعهم وأبصارهم فهم لا يفقهون حديثاً، فلا هم بالذين يأبهون كثيراً لمقالتك أو يحفلون بها، وحجّتهم في ذلك أنّ المحاضرة كانت في المسجد – والحضور هذا من تكثير سواد المؤمنين – ولو لم يكن فيه إلا إغاظة للبراليين والحاسدين لَلَزِمْنا المجيء نصرةً للأخيار..! ثمّ يُضيف أحدُهم: ولو لم يكن فضيلتُه على حقّ في كلّ ما يقول لما طرحَ الله تعالى له كلّ هذا القبول، وآيةُ ذلك هذه «الجماهير» التي يغصُّ بها الجامع..!! وحين سقت له من مثل هذه المنقولات:
قال الأوزاعي: (كان عطاء بن أبي رباح أرضى الناس عند الناس، وما كان يشهد مجلسه، إلا سبعة أو ثمانية) وها هو عبدالرحمن بن مهدي يسوق تجربته بقوله: (كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور فقال: هذا مجلس سوء فلا تعدْ إليه، فما عدت إليه). في حين نجد محمد بن عبدالوهاب يتناول ذات المعاني؛ إذ يعلق على حديث (عُرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد) قائلاً (ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة). لم يُمهلني لأنقض حججه إذ ولّى مدبراً ولم يُعقّب!
ولئن علمتَ أنّ سارقاً – بمحض اعترافه – يأتيهم (واعظاً) ثُم لا يرون بأساً في تقبيل ما بين حاجبيه ابتهاجاً بمقدمه بحسبان أنّ «السرقة» قد جاءت لخيرٍ/ وفي خير.. لئن علمتَ هذا يحدث دون أن يجرؤ أحدٌ على معاتبته على صنيعه هذا (مناصحةً) فإنه لدليلٌ يُثبتُ لك بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة مَن ديدنهم التّلَهُف لِلُقيا «القصاصين» على نحوٍ من التّبجيل و«التعظيم» لم يكن قد ظفِرَ به السابقون من «شيوخ الإسلام» المعتبرين!! وأقسمُ غير حانثٍ بأنّ مثل هذا «القاص» وأضرابه لو قُدّر لأحدهم العيشَ في عهد ابن الخطاب رضي الله عنه لما توانى الفاروق بالدِّرة يعلو بها الرؤوس حتى تتورّم ولحبسهم في بيوتهم احترازاً لتدين الناس من الغش وحِفاظاً لما سَلِم لهم من عقل!!
وبما أنه من السهلِ بالمرّةِ أن أوصف بالتجنّي فإنه يسعني القول: في بريدة محاضرةٌ هذا اليوم (الأربعاء) شيخُها معالي الدكتور صالح بن حميد وحسبك به علماً وعقلاً وفقهاً ورُشداً قارن عدد مَن سيحضر محاضرته بمن سيعقبه في الغدِ في ذات الجامع، وسيتبيّن لك إلى أيّ مدىً كان التوفيقُ حليفي في صِحّةِ ما انتهيتُ إليه من الكشف عن هوية هذه النوعيّة التي ليس من شأنها أن تصنع نجاحاً أو أن يتأسس من خطابِها مواقف يعتضد فيها الشرعي/ والعقلي لمقاومة طوفانٍ من الفتن وقى الله البلاد شرّها وحفظ الله أمنها.!
وغيرُ خافٍ أنّ للقُصّاصِ من الإفسادِ ما اضطر معه ابن عباسٍ إلى القذف بهم خارج المسجد، وكذلك كان فعل ابن مسعود -رضي الله تعالى عنهما- صيانةً لصدقِ تديّن الناس من جانب، ومن جانب آخر سعياً حثيثاً لحماية العقولِ مما لا يزيدها إلا سفاهةً وسفالا.! والمؤكد أنّ الحاجةَ ملحّة لعلماء – محققين كابن حميد – في سبيل بسط فقه الفتن والنأي بأبنائنا عن التخبط، ذلك أنّ من كان يشكو تخبّطاً في منهجيّته وتناقضاً فجّاً في مواقفه واضطراباً بيّناً في رؤيته كيف يمكنه أن يهدي الآخرين صراطاً مستقيماً أو أن يأخذهم ببصيرة إلى أهدى سبيل؟!
هامش: سؤالٌ يتقاطر براءةً: كيف سيستقبل أهل بريدة «سلوى العضيدان» لو أنّها دعيت لإلقاء محاضرة؟!
نقلا عن "الشرق"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up