رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

التصدي الشامل لهذا الخطر الداهم !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هذا ما ظللنا نحذر منه دائماً فتقابل تحذيراتنا مرة بالاستخفاف، ومرة باتهامنا بأننا نهول الأمور ونحمِّلها فوق ما تحتمل. وكأننا كنا ننتظر أن تحل بنا الكارثة وتقع الفأس على الرأس. فقد درجنا ومنذ أن أطل الإرهاب بوجهه البشع علينا، قتلاً وتدميراً وتهديداً لأمن الوطن على التخفيف من...

..حجم الخطر الداهم، فنطلق على الإرهابيين صفات مخففة، تبعد عنهم تهمة الإرهاب والخيانة والفساد في الأرض.

فتارة هم فئة مغرر بها، وكأنهم سذج بلهاء، أو كأنهم دمى في يد محنكة تديرهم أينما وكيفما ومتى ما شاءت وتارة هم مضللون، وكأنما هناك أيد شيطانية تعبث بعقولهم وتدفعهم دون إرادة منهم ليرتكبوا كل هذا العنف التدميري على أنفسهم، وعلى الناس والأشياء والأحياء.

ودائماً كنت أردد فيما أكتب: إننا يجب أن نعرف ونعرِّف القوى التي تقف خلفهم، فلماذا لا نفعل؟

ودائماً كنت أردد بأننا يجب أن نجعلهم يتحملون ولو جزءاً من مسؤولية أعمالهم المروعة هذه فلا ننفيها عنهم، لنعفيهم منها. فلماذا لم نفعل؟

وكنت دائماً أقول: إذا كان هؤلاء هم نبت هذه الأرض ونبت مجتمعنا، لكنهم لا يعبرون عن هذه الأرض، ولا عن هذا المجتمع وثقافته وقيمه إذن فلا بد أن هناك خطأ ما في هذه المسألة، وأننا يجب أن نجدُّ في البحث عن الخلل الذي جعلهم جزءاً من منظومة حياتنا. ولكننا لم نفعل، رغم تأكيد وزير الداخلية الواضح بأن المواجهة الأمنية للإرهاب ميدانياً كانت حتى الآن إيجابية وفاعلة على عكس المواجهة الفكرية التي لم ترتق إلى مستوى التحدي حتى الآن.

وكنت أعتقد أن المدخل الوحيد الصحيح للتصدي الشامل لهذا الخطر الداهم، وأعني بالشامل التصدي الأمني والفكري والاجتماعي والاقتصادي والتربوي له، إنما يكون بتحديده ووصفه بدقة ووضوح وبلا مواربة ومحاباة.

ربما كانوا مضللين ومغرراً بهم وأصحاب فكر منحرف ولكنهم خونة وغادرون تماماً مثلما وصفهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز "رحمة الله عليه " في خطابه لقواتنا الباسلة في تبوك يوم الأحد (26-4) بهذه الصفة يجب أن نعرفهم، وأن نزداد حرصاً وحذراً منهم، ومن خطر التهديد الذي يشكلونه في حياتنا وعلى كياننا الوطني.

لأن من يخطط بعقل بارد لتفجير منشآت نفطية يعلم جيداً مدى خطورة وتداعيات انفجاراتها على السكان المدنيين الآمنين في غفلة مما يدبره بعض أبنائهم ضدهم، ثم يقر ويعترف بأنه يعرف تماماً بأن هذه الانفجارات ستقتل وتبيد سكان قرى بكاملهم، وأن ذلك لا يهمه ولا يعنيه في شيء، بل إن هذا هو ما يريده ويسعى إليه.

وحين يُسأل عن الهدف من هذه العملية، فيقول ببساطة إن الهدف منها هو سحب أقدام الأمريكان ليدخلوا بلده وتحدث فوضى يموت فيها من يموت، ويفنى فيها ما يفنى ويزول من مظاهر العمران، لا يمكن أن يكون مجرد مغرر به. ولكنه إنسان يُكنُّ حقداً أسوداً وكرهاً عميقاً لأهله ولوطنه، ويسعى جهده لإفنائهما.

***

لقد قلت من قبل في كتابي (عثرات في طريق الإصلاح) إن مواجهة خطر الإرهاب لا يمكن أن تتحملها الأجهزة الأمنية، رغم نجاحها الباهر وغير المسبوق دولياً في مواجهة الإرهابيين سواء في التصدي للعمليات الإرهابية بعد تنفيذها من حيث كشف الجناة ومطاردتهم وملاحقتهم، أو قبل تنفيذ العمليات بعمليات استباقية عديدة جنّبت البلاد أعمالاً إجرامية، آخرها ما كشفته الخلية النفطية التي ألقي القبض على أفرادها.



إلا أن هذا الجهد الأمني العظيم والمؤثر إيجابياً في التصدي لهذه البؤر الشيطانية السرطانية، لن يكفي وحده ما لم يصاحبه جهد فكري وتربوي وثقافي يستطيع أن يتغلغل في خلايا العقل الإرهابي، ويفككه من الداخل، ثم يعيد صياغته، مقتلعاً منه ما استزرع من أفكار، ومن وجدانه ما بث فيه من سموم وحقد ونظرة سوداوية ضيقة وكره. ويحل محل ذلك أفق فكري إسلامي حقيقي يقوم على التوسط في كل شيء.

التوسط في الرؤية الفكرية، وفي أسلوب التعبير عنها، والتوسط السلوكي. فهذا هو النهج الإلهي الذي أمر الله به البشر في محكم تنزيله، وهذا هو النهج النبوي الذي أمرنا باتباعه لقوله تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} سورة آل عمران (31).

***

والواقع أن تفكيك العقل الإرهابي عملية مركبة ومعقدة، وليست بسيطة ولا سهلة. ويخطئ كثيرون منا حين يظنون أن ساحة هذه المعركة تقتصر على ما يبث في أجهزة الإعلام من أحاديث عن الوسطية. وفي هذه النظرة اختزال وتبسيط شديد في عملية معقدة ومتشابكة.

وبدون الخوض في تفاصيل كثيرة يستطيع الواحد منا أن يجزم بأن ما يبث عبر هذه القنوات الإعلامية لا تأثير له لأن جل ما يقال فيه هو من باب تحصيل الحاصل، ويبدو وكأنه يخاطب أولئك الذين هم خارج دائرة المسؤولية عن الأعمال الإرهابية، فهو لا يتعدى الإدانات وأشكال الشجب المعروفة والمحفوظة جيداً.

ولا أدري ما الحكمة أو الجدوى من مخاطبة إرهابي بقولنا له إن ما يفعله حرام وخطأ ولا يليق، طالما ذهنه محشو بأننا كلنا - حكومة وشعباً بل ودولة أيضاً - كافرون نستحق أن يجاهد ضدنا، وأننا مرتدون - في أحسن الأحوال - مهدر دمنا.. إلى أن نتوب؟!.

نحن حقيقة - إزاء مشكلة بهذا الحجم - في حاجة إلى طرح جديد للإسلام، وإلى ثقافة اجتماعية جديدة، وبالنهاية.. نحن بحاجة إلى خطاب إسلامي جديد.

وتفكيك العقل الإرهابي من هذا المنظور لا يمكن أن يكون ممكناً ما لم تسبقه خطوة مهمة وهي مراجعة الخطاب الإسلامي القائم الذي انحرف عنه هؤلاء الإرهابيون.
علينا أن نعيد النظر ليس في آليات هذا الخطاب وحسب، بل حتى في مضامينه ومنطلقاته الفكرية، فالإسلام دين رحب وكتاب مفتوح، وهو يدعو إلى التفكير والتفكر دائماً، وتحرض كل آيات كتاب الله على إعمال العقل والتفكر والتدبر.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up