رئيس التحرير : مشعل العريفي
 علي سعد الموسى
علي سعد الموسى

أنا والتعليم: قصة الحمار

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بعد عقود طويلة من افتراقنا في أرض الله الواسعة، يعود لي زميل الفصل الثانوي ليذكرني في رسالة قصيرة بقصة غرفة الأحجار يوم كنا سعداء ونحن حتى لا نملك قيمة فسحة مدرسية. سأكتب اليوم قصتي الخاصة مع التعليم من أجيل أجيال اليوم، وللأسف أيضاً لنقرأ الانتكاسة والردة التعليمية ما بين زمنين. دخلت الأولى الابتدائية في الغرفة الأولى على اليمين ببيت من الطين وهي الغرفة المخصصة لمساءات "البهائم" لمن يعرف طبيعة هيكلنا السكني آنذاك. كنت أذهب للمدرسة على ظهر حمار متوسطاً ابن عمي وشقيقي لكن ركاب ذلك الحمار اليوم هم قاضي استئناف مرموق ولواء أركان وأنا الثالث. أنهيت تعليمي الأساسي ما بين غرف الطين والحجر وكنت أتناوب مع شقيقي "هندام" الرياضة، فكان كابوساً أن تتزامن حصصها صدفة في نفس اليوم. ذهبت للجامعة محظوظاً لأن طاقم التدريس بالكامل من أميركا وبريطانيا والسويد، ويومها كانت المحاضرة متعة من ملكوت الخيال الذي يحلم به طالب جامعة. بعدها ذهبت لبعثة الغرب في نقطة تحول، وهناك سكنت الجامعة مثلما سكنت وجداني وعاطفتي، وأكملت رسالتي تحت إشراف ألمع اسم في هذا العالم في اللسانيات وتحليل الخطاب، وكان كل زملائي في القسم يحذرونني من نهايات المغامرة مع اسمه الضخم الواسع. وكل ما سبق، قصة شخصية للحافي، نصف الكاسي، الذي ابتدأ الرحلة على ظهر دابة ثم يدرس في "ريشة" بهائم فأين لب الرسالة؟ اليوم أحمد الله وأعجز عن شكره لأنني حين أطوف في بقايا الذكريات أعترف أنني تلقيت أفضل وأروع ما يمكن من رحلة التعلم التي لن يحلم بها قادم جديد من عالم اليوم. أكملت تعليمي العام الأساسي بما أظن أنه نصف المواد ونصف المناهج ونصف الحجم والورق المكبل به أطفال وشباب اليوم. من اليوم الأول حتى الأخير درست على يد عمالقة لن أنساهم ما حييت من "علي الزهراني ومحمد عيدان، إلى المتولي زكي سعيد ومن محمود عبدالرحمن إلى رشاد مرزوق وانتهاء بوليام تارفين وبيتر ترودجل". كان، وأكاد أقسم بالله، كل يوم بل كل حصة أو محاضرة تضيف لبنائي العقلي. ومرة ثانية، كل هذا، بنصف الورق ونصف المواد التي يعذب بها أجيال اليوم. لا أتذكر أن معلماً من هؤلاء أجبرني على الحفظ إلا ما كان لازماً. لم تكن مدارسنا في ذلك الزمن منطقة صراع مدارس فكرية ولم يكن بها دقيقة واحدة للاستقطاب والأدلجة. كان التعليم من أجل التعليم ولا شيء قبله أو بعده. لم نكن أبداً فئران تجارب ولا معملا مثلما يتعرض له طالب اليوم الذي لا يكمل تعليمه العام إلا مرتبكاً هائماً متردداً تحت رحمة عشرات النظريات المتضادة. يتخرج طالب اليوم من الثانوية العامة دون أن يستطيع ارتجال كلمة صباح قصيرة لأنه ضحية الحشو والتلقين والحفظ. قصة المفارقة المضحكة: ابتدأت حياتي مع ثلاثة على ظهر حمار واليوم قد لا يستطيع الحمار مجرد حمل الحقيبة المدرسية. ولزميل الفصل القديم، عبدالله العدوي، سأقول: كنا سعداء لأننا فعلاً فعلاً فعلاً كنا نتعلم وفي التعليم لا فرق بين بيت الطين وصالون الفندق. المعادلة بسيطة جداً: أخرجوا من مدارسنا صراعات السياسة والأفكار وتجاذبات المدارس وأعدموا أيضاً نصف الورق.
نقلا عن الوطن

arrow up