رئيس التحرير : مشعل العريفي

بعد تغير النبرة التركية عن “سواكن” السودانية.. ماذا تخفي أنقرة ؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيفة المرصد : أثار حديث نائب رئيس الوزراء التركي، هاكان جاويش أوغلو، يوم أمس عن جزيرة “سواكن” السودانية المطلة على البحر الأحمر والتي وهبها الرئيس عمر البشير في ديسمبر الماضي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قراءات سياسية شتى ليس بينها قناعة متماسكة بدعاوى أن تركيا تريد إعادة بنائها لتكون مرفقاً سياحياً.
“سواكن” بداية مرحلة جديدة
ففي السياقات والتفاصيل لصفقة “سواكن”، ما أوجد لدى كل الأطراف السياسية المعنية بأمن البحر الأحمر وشرق أفريقيا، قناعات بأن ” سواكن” هي عنوان مرحلة جديدة في برنامج أردوغان للعثمانيين الجدد الطامحين إلى العودة للعالم العربي بمختلف الذرائع ومن بينها السياحة.
في حديثه أمس وهو يزور جزيرة “سواكن” ويظهر في الصور وهو يتحسس أحجارها الأثرية، قال هاكان أوغلو، إن الجزيرة بالنسبة لتركيا “ليست مجرد قطعة يابسة وإنما هي “إستراتيجية” و بوابة أفريقيا إلى مكة .
ووفقاً لموقع إرم نيوز ، فلم يكن أوغلو أول مسؤول تركي يستخدم تعبير “سواكن هي البوابة التركية لمكة “، بكل ما يتضمنه التعبير من إيحاءات سياسية وأمنية لا تستطيع الدعاوى السياحية أن تخفيها.
تمويه غير متماسك
وسبق للرئيس التركي أردوغان أن استخدم نفس الإيحاء السياحي الديني، في زيارته للسودان أواخر ديسمبر الماضي، لكن سياقات الاتفاقات العلنية والسرية التي وقعها أردوغان مع الرئيس عمر البشير، جعلت الحديث عن السياحة أقرب للتمويه غير المتماسك.
فتخصيص جزيرة “سواكن” للأتراك ليعاد ترميم آثارها وبناؤها من جديد، جاء مرفوقاً بقراءات دولية وإقليمية اتفقت يومها على أن تركيا تريد سواكن قاعدة عسكرية ثالثة في المنطقة، بعد قاعديتها في الصومال وقطر. في قطر إطلالة تركية على مياه الخليج. وفي القاعدة التركية بمقاديشو/ الصومال إطلالة على خليج عدن.
قطر طلبتها قبل تركيا
وزاد في ترسيخ هذه القناعة، معلومات تسربت في ديسمبر الماضي تشير إلى أن قطر كانت طلبت من السودان أن تقيم قاعدة عسكرية في سواكن، لكن الطلب القطري لم يتحقق، وجرى تخصيصها لتركيا، مرفقة بـ “21” اتفاقية ثنائية، مضافاً إليها ملحق سري دون تفاصيل.
الذين قرأوا في اتفاقية “سواكن” مرحلة جديدة في التحالفات الإقليمية المتحركة، اعتمدوا -أيضًا- على مجريات اجتماع ثلاثي انعقد في الخرطوم مساء الـ 25 من ديسمبر وضم قادة جيوش تركيا خلوصي أكار، والسودان عماد الديم مصطفى عدوي، وقطر غانم شاهين الغانم، قبيل مغادرة أردوغان الجزيرة إلى تونسفي في جولة أفريقية سيكررها يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي، بجولة أفريقية أخرى لا تترك مجالاً مقنعاً لمن يعطي للسياحة دوراً أو وظيفة، في البرنامج التركي تجاه البحر الأحمر وشمال أفريقيا.
التاريخ والجغرافيا
كلاهما التاريخ والجغرافيا، في جزيرة سواكن يجعلانها بالنسبة للرئيس التركي أردوغان، أكثر من مشروع للسياحة الدينية للأتراك والأفارقة في طريقهم إلى مكة للحج.
فالجزيرة القائمة على لسان بحري في منتصف مياه البحر الأحمر، تشكل موقعاً إستراتيجياً بكل المواصفات الطبيعية. وهي لا تبعد عن ميناء جدة السعودي سوى بضع ساعات في الرحلة البحرية كما أنها على مسافة 70 كليو متراً من ميناء بورتسودان ميناء السودان الرئيس على البحر الأحمر.
ويثري هذا الموقع الإستراتيجي جغرافيًا، تاريخًا يتطابق مع الأحلام العثمانية لأردوغان. فقد كانت “سواكن” عاصمة للدولة العثمانية في الحبشة منذ عام 1517 بعدما غزاها السلطان سليم الأول، ثم أنضمت في وقت لاحق إلى ولاية المجاز. وبعد ذلك جرى ضمها إلى مصر خلال فترة حكم محمد علي، في مقابل مادي وجزية. وخلال الاحتلال البريطاني تعرضت “سواكن” للإهمال إثر فشل الثورة المهدية عام 1899، بزعم أن ميناءها لا يصلح للسفن الكبيرة.
أردوغان طلب والبشير وهب
وعلى غرار ما كان يحصل في التواريخ العثمانية والإسلامية السابقة، فقد طلب أردوغان من الرئيس السوداني عمر البشير هذه الجزيرة ليطورها، فجاءه الجواب العلني على الهواء لقد وهبتك إياها!!!. وكان حديثاً فيه كل الإشارات السياسية والإستراتيجية التي تتحدث عن تحالف إستراتيجي اختراقي تبنيه تركيا في الشرق الأوسط ويرتبط بمياه البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي ارتباطاً ليس فيه من السياحة سوى العسكرية، حتى وإن تذرّع بتقريب المسافات على الحجيج في طريقهم إلى مكة.
وبالمناسبة فقد وصلت إلى جزيرة سواكن، الأسبوع الماضي، فرقة تركية تضم ثلاثين شخصاً متخصصاً في قضايا لم يكن السفير التركي لدى الخرطوم عرفان نذير أوغلو موفقاً كفاية أو مقنعاً للمعارضة السودانية، وهو يحصرهم بأنهم اختصاصيون في الآثار.
توغل في البحر الأحمر
اللواء يحيى كدواني وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري الحالي ووكيل جهاز المخابرات سابقًا قال، إنه من بداية تحرك تركيا في جزيرة سواكن والمسؤولون في مصر يعلمون أن الأمر عبارة عن توغل تركي بالبحر الأحمر، ومحاولة لاستعادة نفوذ الإمبراطورية التركية عسكريًا وليس مجرد تطوير لمنطقة أثرية أو سياحية.
ورأى في حديثه أن تركيا تحاول أن تجد مناطق نفوذ لها بالشرق الأوسط بعيدًا عن قطر، وأن تركيا عادة ما تعلن تصريحات لينة في بداية الأمور ثم تنكشف نواياها فيما بعد.
وشدد على أن أنقرة تحاول ضرب العلاقات المصرية السودانية، وإحداث الشقاق فيما بينهما أملًا في تقويض وإضعاف مصر.
وأكد وكيل لجنة الأمن القومي، أن مصر لن تسمح بامتداد النفوذ التركي في المنطقة، وأنها قادرة على ردع أي تحرشات.
واتفق معه في الرأي السفير نبيل بدر مساعد وزير الخارجية الأسبق، قائلًا إن تركيا تحاول استغلال أي ثغرات أو خلافات بين الدول العربية للتمدد في المنطقة؛ خاصة إن كان ذلك على حساب مصر؛ لأنها نصبت العداء للقاهرة منذ أمد بعيد، وترى في مصر منافسًا لا يستهان به في وجه الأطماع التركية.
السياحة حجة
وأضاف أن تركيا استخدمت خداع “السياحة” للتواجد في جزيرة سواكن لاستغلالها عسكريًا وتجاريًا فيما بعد.
وأردف أن بعد فشل الطموح التركي في التوسع غربًا باتجاه الانضمام للاتحاد الأوروبي تحاول تعويض ذلك سياسيًا وتجاريًا في المنطقة العربية بدءًا من قطر إلى السودان.
ودعا بدر الدول العربية للتصدي للنفوذ التركي الذي وصل حد الاعتداء على سيادة الدول، كما الحال في سوريا على قدر مساواة التصدي للخطر الإيراني، فكلاهما من رأيه لديهما مخططات استعمارية للدول العربية؛ وهما خطران يهددان المنطقة.
وأنهى مساعد وزير الخارجية السابق حديثه، بأن تركيا لن توقف العداء لمصر باستغلال جناح الإخوان المسلمين من جانب، ومن جانب آخر محاولة التمدد في عمق مصر الإستراتيجي.
للاشتراك في خدمة "واتس آب المرصد" المجانية أرسل كلمة “اشتراك” للرقم (0553226244)
في حال رغبتكم زيارة "المرصد سبورت" أضغط هنا

arrow up