رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

ردّاتُ الفعل ليست تُهمة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أومن كان حيّاً ينفعل – تفاعلاً واعياً – مع ما يحدث حوله كمن كان «ميْتَاً» رضيَ بأن يكون مع «المنعزلين» ممن ليس لهم حظٌّ من الانفعال عما يحدث حولهم سوى الفُرجة؟! لا ريب أنهما لا يستويان مثلاً.
وحسبك أن الأخير فيهما هو مَن كان يعيش خللاً (منهاجيّاً) في ترتيب أولوياتها وذلك أنّه – من حيث لا يدري – قد منحَ الآخرين الحقَّ بترتيب أولويّاته على نحو ما شاءوا أو بالطريقةِ التي تتفقُ وحيواتهم لا حياته.. ولئن قلتَ: إنّ «أولوياته» وانفعاله بالأحداث التي تجري من حوله قد باتت مملوكةَ لسواه حتى أنّه ما عاد بالذي يختار: متى يُمكنه أن يتكلّم وبأيّ وقتٍ يتوجّب عليه أن يصمت! ما يعني أنه لن يتقدّم أو يتأخر ما لم يشأ له «الآخرون» ذلك وحسبما تُمليه مصالحهم ومقتضياتها لا مصالحه واحتياجاته.!
ومع أنّي لم آت شيئاً جديداً بهذا القول؛ غير أنّه لم يزل بعد فينا من يعدُّ «ردات الفعل» عيباً «منهجيّاً» وتهمةً تنِمُّ عن خلل في «التفكير»! وتهتكٍ في سِتر «الشخصية» وطيشٍ بيّنٍ لا يفتأ يطال التكوين العقلي لِيوهن أعزّ ما يملكه «الإنسان»! في حين أنّ الصحيحَ خلافُ ذلك كلّه وما ثَمّ عيبٌ بالمرّةِ في «ردّات الأفعل» حتى إن تكن آنيّةً وإنّما الذي يُعابُ في هذه الأخيرة إن كان ثَمَّ من عيبٍ هو: الكيفيّة التي يتمُّ التعامل بها مع هذه «الأحداث» فأنتجت لك تالياً جملةً من مواقف إزاء حدثٍ/ أو أزمةٍ عكست وعياً منقوصاً وخطلاً في الفهوم وإسرافاً في التعجّل فتركت مِن خلفها حمولةً ثقيلة على النفس/ والمستقبل.. لن يجدي معها الاعتذار لاحقاً.
العاجزون وأضرابهم من الكسالى لا يكلّون مِن صبّ جامِ غضباتِ «لعناتهم» بقذائف من سجيّل الذم الشنيع لـ «ردّات الفعل» وما من وصفٍ مشينٍ يُمكن أن يُلحق بأصحابها إلا وبذلوه بسخاءٍ باذخٍ لا يقترفون ذلك عبثاً بل سعياً حثيثاً من قِبِلهم ابتغاء أن ينفوا عن أنفسهم أن يكونوا من أصحاب «ردّات الأفعال»! وما علموا أنّهم بهذا الصّنيعِ قد اختاروا لأنفسهم أن يبقوا في الظل وعلى الهامش من كلّ «فعل» ليس لأيّ أحدٍ أن يكترث بهم أو يأبه لهم! في حين أنّهم – على الحقيقة – هم مَن تتقاذفهم أمواج بحرٍ لُجيٍّ عاتيةٍ من ردّات أفعالٍ لقومٍ آخرين لم تسلم هي الأخرى من عدم الاتزان وعدم الموضوعية.
من المؤكد إذن أن ردة الفعل تشي بأنّ ثمّة «حيّاً» على نورٍ من ربّه يفعل/ وينفعل بمن حوله بطريقة أو بأخرى. ويقفُ منه بالضّد وعلى الضّفة الأخرى «ميّت» ليس له من الأمر شيءٍ غير أنّ يكون واحدا من ركاب سفينةٍ قد تكون في طريقها إلى الغرق.. وحينئذ لا عاصم من أمر الله!
إنّ المخرج من أيّ أزمةٍ يبقى عُرضةً لأن يطول «زماناً»/ ويمتد «مكاناً» متى ما تمكن «الخوف» من الإنسان وتفشّى داءُ الصمت في الأماكن القصيّة/ والمعتمة وبهذا المعنى يُمكن عَد «ردات الفعل» ظاهرةً صحيّة متى ما توافرت على شروطها (الصّحِيّة) التي من شأنها أن تحفظ لُحمة هذا «الوطن» وسداه وتُعزز تالياً كلّ المعاني الثاوية في مفهوم «الانتماء» أرضاً/ وقيادةً ذلك أنّ الوعي بحقيقة «الصراعات» الدائرة بدول الجوار كفيلٌ بفضحِ تلك الصراعات والكشف عن مُحركاتِها ودوافعها «الأيديولوجية» من أجل «التنوير» لفئةٍ كبيرةٍ مرشّحة لأن تنحاز هنا/ أو هناك دون أن تعي بأنها ليست سوى «دميةٍ» تُضبط حركتها بخيوطٍ موصولة بأصابع تقبع في الخارج وليس لها من غايةٍ غير أن تتربّص بهذا «الوطن» الدوائر.!
تبقّى أن نتساءل: إلى أيّ مدى يُمكن أن تحظى باسم «إنسان» إذا لم تتوافر على شرط «ردّات الفعل»؟! وبصيغة أخرى: أخبرني عن ردّات فعلك أخبرك عن حجم «الإنسان» الذي يسكنك!
وبعد.. فما أظنّ أن أحداً منكم يسعه الجهل بـ» أن دعوات الأنبياء/ ورسالاتهم إنما جاءت»ردات فعلٍ» لتنكب الأمم جادة «التوحيد».! وبما أنّ المساحة تضيق نُرجي تحرير هذه المسألة من خلال النصوص الشريعة المستفيضة قرآناً وصحيح سنةٍ إلى مقالات مقبلة بإذن الله تعالى.
نقلا عن "الشرق"

arrow up