رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

رسوم العمالة الوافدة لا تكفي للتوطين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بدأ التطبيق الفعلي لزيادة الرسوم المفروضة على المقيمين والزائرين خلال الشهر الجاري، سيقتصر تطبيقها حتى نهاية عام 2017 على مرافقي ومرافقات العمالة الوافدة، بواقع 100 ريال شهريا "1200 ريال سنويا" عن كل مرافق. ومع مطلع عام 2018، سيتم تطبيقها على الأعداد الفائضة عن أعداد العمالة السعودية، بواقع 400 ريال شهريا "4800 ريال سنويا" عن كل عامل وافد، فيما ستدفع العمالة الوافدة ذات الأعداد الأقل من العمالة السعودية مبلغا أدنى، يبلغ 300 ريال شهريا "3600 ريال سنويا"، وسترتفع الرسوم عن المرافقين والمرافقات إلى 200 ريال شهريا "2400 ريال سنويا". ثم ترتفع تلك الرسوم مع مطلع 2019 إلى 600 ريال شهريا "7200 ريال سنويا" على العمالة الوافدة في القطاعات الأعلى من السعوديين، ومبلغ 500 ريال شهريا "6000 ريال سنويا" على العمالة الوافدة بالقطاعات الأقل من السعوديين، كما سترتفع الرسوم عن المرافقين والمرافقات إلى 300 ريال شهريا "3600 ريال سنويا". ليصل ارتفاع تلك الرسوم إلى ذروته بحلول عام 2020، حيث سترتفع تلك الرسوم مع مطلع إلى 800 ريال شهريا "9600 ريال سنويا" على العمالة الوافدة في القطاعات الأعلى من السعوديين، ومبلغ 700 ريال شهريا "8400 ريال سنويا" على العمالة الوافدة بالقطاعات الأقل من السعوديين، وترتفع الرسوم عن المرافقين والمرافقات إلى 400 ريال شهريا "4800 ريال سنويا". وعدا أن هذه الرسوم سينتج عنها ارتفاع التدفقات الداخلة على الإيرادات الحكومية غير النفطية، إلا أن الهدف الرئيس منها يذهب إلى رفع تكلفة وجود العمالة الوافدة بالدرجة الأولى محليا، التي وصلت نسبة استحواذها على فرص العمل في منشآت القطاع الخاص إلى نحو 85 في المائة، في الوقت الذي تعاني خلاله العمالة الوطنية البطالة، وصعوبة الحصول على فرص عملٍ كريم في المنشآت العائدة ملكيتها للقطاع الخاص. هل يكفي هذا الإجراء وحيدا، للحد من سهولة استقدام العمالة الوافدة على حساب الصعوبة الكأداء أمام المواطنين والمواطنات لنيل الفرص الوظيفية ذاتها؟! التجارب السابقة تؤكد أنه غير كاف على الإطلاق، حيث تمكنت منشآت القطاع الخاص خلال الأعوام الماضية من تجاوز كثير من برامج وسياسات وإجراءات التوطين بكثير من الخيارات، وظلت في الوقت ذاته معدلات البطالة بين السعوديين والسعوديات مرتفعة. لهذا لا يزال في يد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية كثير من الخيارات المحققة لمزيدٍ من توطين الوظائف، يمكن اللجوء إليها وتنفيذها على وجه السرعة، سبق الحديث عنها في أكثر من مقام ومقال سابق، لعل من أهمها للتذكير: أولا: ضرورة وضع برامج خاصة لتوطين "الوظائف القيادية والتنفيذية العليا" في منشآت القطاع الخاص، التي شهدت طوال فترة تطبيق برامج التوطين الأخيرة تغيرا لافتا جدا "2011-2016"، زادت خلاله سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب القيادية والتنفيذية من 10.4 في المائة بنهاية 2010، إلى أن وصلت بنهاية عام 2016 إلى أعلى من 40.5 في المائة، وتكمن أهمية تسليط اهتمام وتركيز وزارة العمل على هذه المناصب تحديدا؛ كونها المستويات الوظيفية التي تستحوذ على صنع القرار في منشآت القطاع الخاص، وكونها أيضا المستويات الأعلى دخلا مقارنةً بغيرها من المستويات الوظيفية الأدنى تأثيرا ودخلا. ثانيا: ضرورة التوسع في برامج التوطين المخصصة حسب القطاعات "كقطاع الاتصالات"، التي سيوفر العمل بها مرونة أكبر أمام وزارة العمل على مستوى سرعة التوطين، وسرعة القضاء على سيطرة العمالة الوافدة في تلك القطاعات القابلة للتوطين بالكامل خلال فترة وجيزة. ويؤمل أن يأتي تركيز وزارة العمل في هذا الخصوص على القطاعات الأكثر جاذبية والأعلى دخلا لدى العمالة الوطنية، وأغلبها يتركز في نشاط الخدمات "تجارة الجملة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات والتخزين، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وخدمات جماعية وشخصية، ومنتجي الخدمات الحكومية"، حيث لم يتجاوز معدل التوطين في هذا النشاط بنهاية عام 2016 نسبة 22.9 في المائة فقط "876.8 ألف عامل سعودي"، مقابل توظيف أكثر من 2.94 مليون عامل وافد في هذا النشاط، ما يؤكد هنا أن وضع برامج مخصصة للتوطين، تتسم بسرعة أكبر مقارنة ببقية برامج التوطين، كفيل بالوصول بها إلى 50 في المائة وأن تمتص كامل الباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات، أخذا في الاعتبار أن تقترن ببرامج مكثفة للتدريب والتأهيل، التي يمكن تمويلها من متحصلات تلك الرسوم على العمالة الوافدة. أما بالنسبة لمزاعم احتمال ارتفاع تكلفة مبيعات منشآت القطاع الخاص، حال بدء تطبيق الرسوم الجديدة على العمالة الوافدة ومرافقيهم، فلا أقل من القول إنها أضعف من أن تأتي على الصورة التي يحاول أصحاب تلك المزاعم تضخيمها، وذلك لأسباب عديدة، لعل من أهمها هنا أن الوضع الاقتصادي الراهن، وما يمر به من انخفاض في مستويات السيولة والتدفقات الداخلة على القطاع الخاص، أدى إلى زيادة تنافسية منشآت القطاع على تقديم منتجاتها وخدماتها بأسعار تنافسية للمستهلكين، وتوقعات أن ينخفض عدد السكان غير السعوديين نتيجة بدء تطبيق الرسوم الجديدة على العمالة الوافدة، كل تلك الاعتبارات ستحجم كثيرا من حدوث هذه المزاعم، كما سينتج عن هذه التحولات المهمة اختفاء المنشآت الهامشية من السوق، التي لا تمتلك القدرة على المنافسة في ظل هذه المستجدات، وهو ما سيزيد بدوره من الحصص السوقية للمنشآت القادرة على البقاء، ويزيد من التدفقات الداخلة عليها في نهاية المطاف عند مستويات سعرية منافسة للمنتجات والخدمات. غني عن القول؛ إن كثيرا من منشآت القطاع الخاص- عدا التي سيطرت العمالة الوافدة عليها- أصبحت أيضا تشكل عمودا رئيسا فيما يطلق عليه "اقتصاد الظل"، ولم يقف الأمر عند هذا الحد! بل وصل إلى أن تشكلت لدينا أسواق محلية أغلب الناشطين والمستهلكين فيها من غير السعوديين! وهو التطور السلبي ذي المخاطر الكبيرة على الاستقرار الاقتصادي المحلي، الذي تتجاوز مكاسب القضاء عليه أي مزاعم أو محاذير يتم الترويج لها من قبل بعض فئات التجار أو العمالة الوافدة. الأهم في هذا الخصوص؛ أن النتائج الإيجابية المرتقبة المأمول تحققها، سواء من خلال هذه الرسوم على العمالة الوافدة، وغيرها من برامج التوطين الأخرى، كتوطين القيادات التنفيذية، أو التوطين المخصص للنشاطات والقطاعات، التي تصب في النهاية في خفض معدلات البطالة بين السعوديين، وتسهم في زيادة خيارات توطين وظائف منشآت القطاع الخاص، أؤكد أنها هي تحديدا النتائج المرتقب أن نجنيها جميعا، التي ستصب إيجابياتها بمشيئة الله تعالى في مصلحة البلاد والعباد والاقتصاد الوطني، وهذا هو الأمر الأهم مقارنةً بغيره من الاعتبارات. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

arrow up