رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

مؤشرات التفوق في سباق التغيير

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لن تبتعد النتيجة التي سيجنيها من يتأخر عن التغيير والتطوير كإحدى سنن الكون، عن عدم قدرته على إيجاد موطئ قدم بعد حين من الدهر! لن ينتظر العالم جزءا خاملا منه، فزمامه بيد الطامحين إلى التقدم والمنافسة. المعيار الرئيس في تسيير هذه المعادلة من الجذب والدفع، هو النجاح في التحكم وتحقيق التوازن بين القوى والمؤثرات في الداخل من جهة، ومن جهة أخرى مثيلتها الآتية من الخارج والعالم، ليس عليك في هذا الصدد إلا أن تستهدف المحافظة على إبقاء هذا التوازن ساري المفعول، ترتكز في ذلك على ثوابت حضارية وثقافية لديك يجب ألا تخترق من أي طرف، وفي الوقت ذاته تتيح لرياح التغيير أن تلامس المتغيرات الناتجة عن مستجدات العصر، وتسمح لها بالتحول بما لا يزعزع الثوابت الصلبة لديك، وكي لا يفوتك ركب التطور وتحديث أنماط ونظم الحياة المتغيرة بطبيعتها. تكتسب الأمم المتحضرة احترام التاريخ والعالم، وقبل كل ذلك المنتمين إليها، إذا حكم وجودها المبادئ السامية والعقل والرشد البالغ، وتفقده تماما حتى لا تجد لها أثرا بعد حين من الدهر في صفحات التاريخ البشري؛ إذا خالفت تلك السنن. ونحن إذ نسير بخطى تسابق رياح التغيير، لعل أهم مؤشراتها التي يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، بل كأولوية لا يسبقها اعتبار آخر، هو التغيير الذي يخضع له الإنسان السعودي، بما أصبح عليه من اختلاف جذري عن آبائه وأجداده، سواء على مستوى الوعي والانفتاح والمعرفة ودرجة التعليم، أو من حيث طبيعة الحياة التي يكابدها صباح مساء، بكل ما تحمله من فرص وخيارات أمامه، بعضها أصبح في متناول يده، وبعضها الآخر وقد يكون الأكثر لا يزال بعيد المنال عنه، رغم أنه يحمل الأهلية الكافية للحصول عليها، وهذا هو مفتاح الحديث هنا. كلما تأخر تمكين الإنسان ذي الأهلية والاستحقاق عما هو في الأصل حق وخيار مشروع له، اتسعت الفجوة بينه وبين المجتمع المنتمي إليه! وكلما اتسعت تلك الفجوة زمنا بعد زمن؛ رأيت كفة المخاطر وأسباب عدم الاستقرار تترجح بالتزامن التام مع تنامي تلك الفجوة، حتى يأتي الفاصل الزمني الذي تتشذر فيه وحدة المجتمع وكيان الأمة إلى شذرات لا يمكن جمعها مرة أخرى إلا بما لا تحمد عقباه! ليتحول ما كان في الأصل مهيأ لأن يرسخ وجوده كدرع حامٍ للمجتمع، إلى ثغرة وخطر داهم يهدد وجود الأمة وكيانها. سأكون هنا أكثر تحديدا فيما يختص بهذه الفجوة الحضارية الخطيرة جدا؛ فمن مصادر توسيع وترسيخ هذه الفجوة، التي يعني سدها إلى أقصى حد ممكن، تحقق مؤشرات التفوق في مضمار التغيير والتطوير المأمول: (1) تأخر تمكين الإنسان من الحصول على التعليم الكافي لتأهيله بما يتوافق مع قدراته ومهاراته ومواهبه التي منحه الله إياها، وهو حق يكفله له انتماؤه للمجتمع، يفترض تذليل جميع العقبات الاجتماعية والمادية التي تعرقل طريقه في سبيل نيله هذا الحق المشروع. (2) تأخر تمكين الإنسان من الحصول على الرعاية الصحية الكافية، بدءا من الوقاية مرورا بالعلاج وانتهاء بحمايته من الأوبئة والكوارث، التي لا يقل استحقاقها عن حقه في الحصول على القدر الكافي من التربية والتعليم. (3) تأخر تمكين الإنسان المؤهل من الحصول على فرصة العمل الكريمة، والملائمة لمهاراته وتأهيله العلمي، وضرورة أن تكفل فرصة العمل تلك القدرة على رفع الإنتاجية، مقابل حصوله على الدخل الكافي بما يؤهله للقيام بأعباء معيشة أسرته التي يعولها، ويحقق له الاستقرار المادي والمعيشي اللازمين. (4) تأخر تمكين الإنسان من الحصول على الغذاء والماء ومختلف أساسيات الحياة الكريمة من الطاقة والخدمات الإنمائية والبلدية والنقل وغيرها من الأساسيات، التي لا يمكن أن تقوم حياة المجتمعات المعاصرة دونها. (5) تأخر تمكين الإنسان من تملك مسكنه الخاص، الذي يعد أحد أهم أسباب استقرار الإنسان وأسرته والمجتمع بأسره، وترك هذا الخيار التنموي عرضة لأي استغلال من أي طرف آخر لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة، هو في الحقيقة خرق واضح وصريح لهذا الحق المشروع، وقد يصل إلى حد السلب والسرقة اللذين يستحقان العقاب. (6) تأخر تمكين الإنسان المؤهل والمبتكر من استثمار وتطوير إما موهبته وإما مدخراته وإما إبداعه، بما لا يلحق الضرر بغيره، وبما سيكون في نجاحه وتفوقه عائد وقيمة مضافة عليه وعلى مجتمعه ووطنه، أو عدم حمايته من أشكال الاحتكار ومحاربة القوى النافذة. كل ما أتيت على ذكره أعلاه لا يتعدى كونه أمثلة، لا على سبيل الحصر في سياق الحديث عن مغذيات تلك الفجوة الخطيرة، التي متى ما وجدت وتفاقمت في أي مجتمع كان، فلا أقل من كونها ستلقي بالإنسان في هوة الإحباط والعزلة التامة عن المجتمع، وحينها سيكون صيدا سهلا لأية أخطار تبتلعه دون رحمة من مخدرات أو إرهاب أو جريمة أو خيانة للوطن أو أي خطر مما يهدد حياته وحياة المجتمع الذي ينتمي إليه. خاض المجتمع السعودي طوال 48 عاما مضت مسارات من التحولات الحضارية العميقة جدا، أسهم في الدفع بقواها عديد من العوامل المختلفة، التي كانت نتاج التغيرات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، يمكن القول في معمعة البحث في صلب تلك العوامل، إن النفط كان سيد المؤثرات ولا يزال حتى يومنا هذا هو الباعث الأهم لأي عوامل أو تطورات تجري على السطح، وما تراه من عوامل أخرى؛ فإن أغلبه مشتق من النفط إما بالدرجة الأولى وإما الثانية وإما حتى العاشرة، سواء من تدفق الثروات وتوزيعها بين الأفراد، وتشكل الكيانات التجارية والصناعية في الاقتصاد، وما نتج عنها من صعود قوي ومؤثر لبعض أطياف المجتمع على حساب أطياف أخرى، فرضت عبر الزمن اللاحق نفسها بقوة النفوذ المادي بالدرجة الأولى، وإن طغى على سطحه الظاهر اعتبارات أخرى قد تكون خادعة، إلا أن العامل المادي وإن كان غير بارز في بداية عهدها يظل هو العامل الأقوى تأثيرا، وهو ما أثبتته تموجات رحلة المجتمع السعودي في العقود التالية من الزمن في عمق تأثيرها، ووقوفها خلف تشكل الأنسجة الحضارية والتنظيمية وحتى التنفيذية التي تحيط سيطرتها بأفراد المجتمع كافة. إن علينا في هذه البلاد أخذ الأمر على محمل الجد، وأن تهيأ السبل أمام مؤسسات المجتمع المدني والمبدعين والمفكرين من أبنائها، لأجل تحديد خيارات المستقبل القريب، وقبل ذلك للخروج من الإشكالات والتحديات التنموية الراهنة، وهنا أؤكد ضرورة رفع مساهمة تلك المؤسسات المدنية، لما تعانيه الأجهزة الحكومية من رتابة وبطء في الأداء، مقابل ما نواجهه كأمة تسعى للتقدم والسير سريعا للمستقبل برأس مرفوع، وهمة طموحة، وهو ما تفتقر إليه بكل أسف تلك الأجهزة البيروقراطية. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up