رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

كذّابٌ مَن زعمَ أنّه قد شمَّ مِسكاً في دمِ قتيل!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قد قلتُ «قتيلاً» ها هنا، ذلك أنَّ التوافر على شروط «المجاهد» والوصف به بات هو الآخر عزيز المنال، فكيف إذن باستسهال مجازفات «الحمقى» ممن لا يفتأون يسوّغون إطلاقات لقب «الشهيد» على كلّ مَن هلك جرّاء خصومةٍ تحت راياتٍ «عُميّةٍ» أكثر ما يحضر فيها حديث أبي أمامة الباهلي في شأنِ «الخوارج.. كلاب أهل النار»! في حين يغيب فيها مثل هذه الأحاديث الصّحاح من مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل اُستشهد، فأُتي به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار»!!
وأيّاً يكن الأمر فإنّه ليس بخافٍ أنّ رائحة المسك العالقة بدم «الشهيد/ الحق» ثابتٌ بالصحيح وليس لأيّ أحدٍ الإنكار له ولو على نحوٍ من «الشّك»، بيد أنّ ما يجب: «إنكاره» والاحتساب في رفع الصوت به: زعمَ تحقّقهِ وقوعاً في «الدنيا» على نحو ما يذكره المهووسون عادةً بـ «الكرامات» من أولئك الذين لا يرعون «الكرامات» حقّ رعايتها من فقهٍ لها إن في الفهم لضوابطها أو النأي عن ذكرها خشية نقض ما أُبرم من إخلاص!! (ومن هنا فإن ما يُنسب للصحابة من «كراماتٍ» بالكاد يُعد على أصابع اليد الواحدة! في حين يقع من الكرامات – بالمئات – للرجل الواحد من جيل التابعين الذين جاءوا من بعدهم لهم من «الكرامات» المنسوبة ما يعزّ على العد إحصاءً!!).
إذن.. فلا مشاحة في ثبوت صحّة «رائحة دم الشهيد مسكا»ً لكنه الشأن الذي لا يكون إلا في يوم القيامة» وحسب.. وذلك إظهاراً لما لـ«الشهيد» من فضيلةٍ يختص بها دون سواه وتنويهاً به بين أهل الموقف بعامةٍ جرّاء بيعه نفسَه لله تعالى.. ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْك» واللفظ للبخاري. وهي الحكمة التي أنيط بها سبب ترك غسل شهيد المعركة.
خطب عمر فقال: تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيداً، ولعله أن يكون قد أوقر عَجُزَ دابته أو دَفَّ راحلته ذهباً أو ورقاً يطلب التجارة؟..ألا لا تقولوا ذلكم!.. ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد.. والأثر أخرجه أحمد وحسن سنده الحافظ في الفتح..
علق الحافظ ابن حجر على المسألة برمتها فقال «فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله».
وجملةُ ما يُمكن قوله: إنّ الشهادة حكمٌ غيبيٌّ لا نعلمه على وجه الحقيقة وليس لأيّ أحدٍ (منا) الجزم يقيناً بأنّ من قُتل في معركةٍ فهو «شهيد» بإطلاق؛ إذ لربما أنّ ثمة أسباباً – لم نطلع عليها – قد حالت دون ظفره بهذا الوصف وإن ظهر لنا – بادي الرأي – أنّه ما خرج إلا ابتغاء الفوز بـ «الشهادة» غير أنّنا لا نعلم هل هو عند الله شهيد أم لا! ذلك أنّ الله وحده مَن يعلم إن كان قد قاتل رياءً أو لأيّ غرضٍ من أغراض الدنيا الخفية إلا على رب العالمين.
ويجب التفطن إلى أنه ليس ثمّة ارتباط «شرعيٌّ» – بأي دعوى – في ما بين صدق المقاتل/ المجاهد وبين ما يزعم من عدم تغيير الجثة أو -الشم الزائف- لرائحة المسك أو أن تفتر الشفتان عن ابتسامة! فلربما كان «شهيداً» في حين أن جثته قد طالها التغيير حد «التّعفن» ولم يحظ حينها بارتخاء «حنكه» لتتشكّل معه ابتسامة! تشي بأنه قد رأى مقعده من الجنة «قد قرأتُ لابن عبدالبر أنّ متغيراتٍ تطول الأجساد حين الموت فمنها ما تسودّ معه الوجوه ومنها ما يظهر فيها الميت ضاحكاً وهي حالات عامة يشترك فيها المسلم التقي والكافر الفاجر سيان».
نقلا عن "الشرق"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up