رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

نحن وأمريكا " مع " ترامب "!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يمر النظام العالمي الحالي بمرحلة انتقالية ، ومن سمات كل المراحل الانتقالية القلق ، والتوتر ، والحركة الدائبة غير المستقرة بحثاً عن توازن جديد . ومما يفاقم من قلق النظام العالمي في هذه الظروف أن القوة الأكبر والأعظم فيه بدأت تتغير من نظام جمهوري يدعم الحرية والتنوع إلي إمبراطورية تسعي لان تفرض رؤيتها عي العالم كله ، وهي تفعل ذلك ليس خوفاً علي البشرية وحرصاً علي السلام العالمي ، وإنما تفعله من اجل السيطرة علي كل الدول والمجتمعات بهدف تحقيق مصالحها الخاصة وتحت ضغط أقلية تملك مفاتيح الاقتصاد الأمريكي وتسعي لا ن تحقق أقصي الفوائد والإرباح ، ولو عن طريق إشعال الحروب في كل العالم .
  وان هذا الوضع يضعنا أمام محك جديد واختبار لو نجربه من قبل ، إذ أن علاقة المملكة العربية بالولايات المتحدة الامريكية كانت ، ومنذ ما قبل منتصف القرن الماضي تقوم علي صيغة تحالفية اطمأن إليها الطرفان ، ورغم ما كان يعتورها من توتر بين حين وآخر بسبب اختلاف وجهات النظر ، وتضارب المصالح في بعض الأحيان ، مثلما حدث إبان حرب أكتوبر حين استعملت السعودية نفطها سلاحاً انطلاقاً من مسؤولياتها الدينية والقومية والأخلاقية . وطيلة تاريخ هذه العلاقة كانت السعودية هي الطرف الأكثر بذلاً وعطاءً ، بما كان في بعض الأحيان يتناقض مصالحها الآنية من اجل استمرار هذا التحالف بما يحفظ استقرار المنطقة ، وما يدعم السلام العالمي ، وقد قدمت المملكة العديد من التضحيات في سبيل هذه الأهداف ، ودفعت العديد من فواتير استحقاقات تنفيذها علي ارض الواقع . كانت شرارات التناقض تكمن تحت رماد هذا التحالف إلا أن أحدا لم يشأ ينفخها ، وذلك حرصاً علي هذا الاستقرار الهش في العلاقة بين الدولتين . هشاشة هذه العلاقة تتجلي كأوضح ما تكون في أنها تقوم علي فهم متناقض بين طرفيها ، إذ بينما كانت المملكة تعتبرها قائمة علي مجموعة م القيم والمبادئ ،وهذا ما عبر عنه الملك عبد العزيز ال سعود – رحمه الله – حين سال مستشاريه قبل أن يقابل الرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1945 ، ما إذا كان الأخير يؤمن بالله ؟ وإذا ما كان للولايات المتحدة مستعمرات ؟ . كانت الإدارات ومراكز النفوذ تراها اقرب ما تكون إلي زواج المصلحة كما عبر احدهم عن ذلك . ولا عيب في هذه النظرة إذا كانت تعني مصلحة الطرفين ، إلا أنها من ناحية الولايات المتحدة كانت تعني مصلحتها هي وحدها . إلي أن فجرت أحداث 11 سبتمبر تناقضات هذه العلاقة المشوهة في جذورها وان كانت تحتفظ بشكل ظاهري جميل وبراق ، وكشفت أمريكا عن وجهها الحقيقي الذي ظلت تخفيه خلال سنوات الحرب الباردة تحت أقنعة براقة من الشعارات والمبادئ الإنسانية . إن ما حدث ، لمن كانو يعرفون ، أو يحدسون بما وراء الأقنعة ، وما تحت السطح الظاهري ، لم يكن مفاجئاً ، ولا أمراً محيراً وشاذاً وغريباً ، بل هو أمر متوقع تماماً ، وكان ينتظر فقط الفرصة المواتية ليطفو علي السطح ويصبح مشاهداً وعيانياً لمن كانوا يجهلون .
  وفي الصفحات التالية هذه المقارنة ، سنحاول قراءة ماهو معروف ليس أكثر ، لأننا بالفعل نحتاج إلي وقفة نصحح بها مسار هذه العلاقات ، إلا أن ذلك يجب أن يتم بمعرفة ودراية تامة بالكيانين معاً وخصائصهما ، لنتوصل إلي الصيغة التي يجب أن تكون عليها هذه العلاقة . وفي كل ذلك لا ننطلق من مبدأ الفصل والتجاوز والتجاهل ، بل ندعو إلي التفاعل الحيوي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ، لا إلي مقاطعتها ، فليس هذا من مصلحتنا إذا كنا نريد الدخول في قلب هذا العصر ، والتفاعل الايجابي مع أحداثه ووقائعه ، وإذا كن نطمع إلي لعب دور ما في هذا العالم . الانفتاح الواعي والتفاعل الايجابي هو ما نهدف إليه من هذا السعي .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up