رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

عظمة يا ست

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا شيء يثير حفيظتي، أو باللهجة الدارجة: لا شيء (يفرسني) أكثر من سماعي للخطب الارتجالية لبعض الزعماء العرب التي يمتد صراخهم فيها بالساعات دون أي كلل أو ملل، وهم الذين تربت آذاننا على سماع خطبهم العصماء، والتي كان لها وقع السحر على الدهماء والغوغاء إلى درجة أنهم تدجنوا إلى حد أن طبلات آذانهم حلت مكان عقولهم. ولو قدر لبعضكم الرجوع إلى أرشيفاتهم المسجلة، فلسوف تصعقون من مقدار العك والفحش والعنتريات الكاذبة، ولسوف تصعقون أكثر من مقدار التصفيق والهتافات من الجماهير المغيبة، وكأنهم في حضرة وصلة طرب لأم كلثوم، ولم ينقص إلا أن يقولوا: عظمة يا ست. ولا شك أنني سوف أترحم على الرئيس الأميركي (ولسون) الذي سألوه عن المدة التي يستغرقها في إعداده لخطبة مدتها عشر دقائق، فقال: أسبوعان. وسألوه: وخطبة مدتها ساعة؟!، فقال: أسبوع واحد. وسألوه: وخطبة مدتها ساعتان؟!، فقال: إنني جاهز ومستعد الآن. وسبق لي أن رافقت زميلاً لي إلى محفل كان من ضمن البرنامج أن يلقي هو أمام الحضور كلمة لا تزيد مدتها على عشرين دقيقة. وقبل أن يأتيه الدور سألني عندما كنت جالسًا بجانبه: ما هي الطريقة التي أستطيع أن أحدد بها الوقت تلقائيًا؟!، فقلت له: عندما تظن أنك تكلمت دقيقة واحدة، فعليك أن تتوقف حالاً، لأنك تكون في الواقع قد تجاوزت العشرين دقيقة دون أن تفطن. يعجبني أسلوب ومنطق النجار الذي يقيس مرتين ثم ينشر، ومع الأسف أن بعض الناس الواحد منهم يتكلم في العادة مرتين قبل أن يفكر، فالكلام دون تفكير هو بلا شك يشبه إطلاق النار دون تصويب. واكتشفت أن الإنسان الذي يريد أن يقول الشيء المناسب في الوقت المناسب، فعليه أن يكون صامتًا معظم الوقت. لهذا يضيق بي أكثر أصدقائي، إذا حضرت سهراتهم، ووجدوني شبه أبكم وأطرم، قد أتفاعل معهم وأشاركهم ببعض ضحكاتهم، وأحيانًا أكتفي فقط بتلعيب حواجبي لا أكثر ولا أقل، إلى درجة أن بعضهم سامحهم الله يظنون أنني أنتمي لسلك المباحث أو الاستخبارات، وأنني أتجسس عليهم. وهؤلاء البعض (طجوّها) أخيرًا، وأصبحوا يتطيرون ويتحفظون بل ويمتعضون من وجودي بينهم، وبعضهم يكونون أكثر أدبًا لأنهم يتصلون بالداعي أولاً ويسألونه عني إن كنت ضمن الحضور أم لا؟!، فإذا كنت من ضمنهم لا يحضرون، وإذا لم أكن تنفسوا الصعداء وحضروا، وأصبحت الجلسة كلها بسطًا وهز وسط. وصدق من قال: خير الكلام ما قل ودل، (وبعض المزاج) أحيانًا.
نقلا عن الشرق الأوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up