رئيس التحرير : مشعل العريفي
 قينان الغامدي
قينان الغامدي

"أبو متعب" كان وما زال معشوق الشعب

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كنت مدعوا لحضور مهرجان الجنادرية، وكان مطلوبا مني أن أشارك بكلمة عن الملك عبدالله، رحمه الله، مؤسس الحرس الوطني والجنادرية وقائدهما ورائدهما، لكن جراحة الظهر حالت دون ذلك، وحين بادر الأمير الخلوق متعب بن عبدالله واتصل يطمئن على صحتي وجدتها فرصة - قبل أسبوعين - واعتذرت عن عدم الحضور، وقدر سموه الكريم الموقف وقال: صحتك أهم! واتصل الأستاذ الخلوق المثقف حسن خليل يطمئن ويبلغني إلحاح وتطلع الشيخ عبدالمحسن التويجري لحضوري فأبلغته الحقيقة وقلت له: أنا والله الخسران، لأن الملك عبدالله أبي وكنت متشوقا لأن أسهم بالنزر اليسير من حقه علينا، نحن الذين نعمنا بوعيه وعظمته وإنجازاته التي قفزت ببلادنا خطوات ضوئية. وحين قرأت كلمة خالد الفيصل التي ألقاها في ندوة الجنادرية عن الراحل العظيم، قلت في نفسي: الحمد لله أنني لم أحضر!! لأنني لو حضرت فقطعا سألقي كلمتي بعد الأمير خالد في ذات الندوة أو في جزئها الثاني، والفيصل يحرج بل يقتل من يتحدث بعده أو يتولى مسؤولية هو مارسها قبله، لقد ألقى كلمة فيها من البلاغة وسمو اللغة ورقي الأسلوب وصدق المعنى ووفاء الموقف وحقيقة عبدالله بن عبدالعزيز وثراء شخصيته، وبإيجاز، ما يعجز عن مثله حتى سحبان وائل في زمنه، فعلى الرغم من بلاغة وروعة خطب سحبان إلا أنها طويلة جدا وأحيانا مملة!!. وعبدالله بن عبدالعزيز يستحق أكثر من هذا، فقد كان وما زال وسيظل معشوق الشعب، لصدقه ولبراعته في عفويته التي جعلته يحتل القلوب والعقول داخل وطنه وخارجه، ولو لم يتحل إلا بصفة الصدق هذه التي كان بعفوية فطرية يعبر عنها وجهه ولسانه لكفاه، فما بالنا وقد حقق للوطن من الإنجازات الحضارية الحديثة، ما يجعل كل إنجاز منها يستحق أن أقول لو كان هذا فقط لكفى التاريخ أن يخلده مع العظماء في صفحات من نور، لكن إنجازات أبومتعب تجاوزت حدود المتوقع والمألوف، ابتداء بالحوار الوطني ومرورا بالابتعاث وجامعة كاوست وثلاثين جامعة وتسعة مليارات لتطوير القضاء وثمانين مليارا لتطوير التعليم، والمدن الاقتصادية، وزيارة الفقراء وتطوير ودعم الضمان الاجتماعي، والمطارات وخاصة مطار الملك عبدالعزيز الجديد بجدة، ومطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة، والطرق والنقل الداخلي في المدن الكبرى، وتوسعة الحرم المكي (أعظم توسعة في التاريخ كله)، وتوسعة الحرم المدني، وهيئة البيعة وتجاوز مسألة السن واعتماد الكفاءة داخل العائلة المالكة، ومحاربة الإرهاب، بوعي ومعرفة، ودعوة العلماء إلى نفض غبار الكسل والتصدي للفكر المتطرف المنحرف، وإدخال ثلاثين امرأة إلى عضوية الشورى، والسماح لها ناخبة ومنتخبة في مجالس الغرف والأندية الأدبية والمجالس البلدية، وتكريم المتميزات وتمكين المبدعات والمبدعين، و… و… ويصعب على الحصر، فكل ما ذكرت من ذاكرتي، وكل ذلك يتوجه عبدالله بن عبدالعزيز بقوله المتكرر في كل مناسبة "لست إلا خادما لكم يا شعب السعودية"، فكيف لا نحبه وكيف لا نبكي فراقه، لقد كنت أعتبره أبي وصديقي وأخي الأكبر، على الرغم من أنني لم أتشرف بلقائه إلا بضع مرات، وحين قدمني له الدكتور الفاضل عبدالعزيز خوجه بعد إحدى جولات الحوار الوطني التي شاركت فيها، وكنت رئيسا لتحرير الشرق، قال: قلمك أمانة والكلمة أمانة وهذا وطنكم بيتكم الكبير فلا ترضون له بأسا ولا خطأ. وكتبت عنه في حينها مقالا شهيرا في الشرق، وتنكر الأمير متعب بن عبدالله يومها برقم جوال لا أعرفه ليمتحن صدقي في محبتي التي عبرت عنها وحين تأكد عرف بنفسه وقال: والله إن الملك يدعو للمواطن في صلاته!! فأي عظمة هذه فيك يا ملك القلوب والعقول. لقد كنت أحبه قبل هذا اللقاء وازددت شغفا بشخصيته بعد ذلك، وحين مرض رحمه الله شعرت أن الوطن كله مريض، فهو لم يكن قائدا فحسب، بل كان أبا وصديقا وأخا للكل، ونحمد الله أن وطننا بخير وفي أيد أمينة، وما زرعه عبدالله بقلبه وعقله يسقيه سلمان بماء روحه ويضيف إليه ويطوره، فكلما مات سيد في وطننا قام سيد، ولذلك فأنا أشعر بلوعة فراق الأب الحنون عبدالله بن عبدالعزيز، أما الوطن الذي قفز به إلى العلا فلا خوف عليه مع سلمان العزم والحزم والحب والوعي، فهو يواصل المسيرة بقوة وتطلع وطموح، ومعه المحمدان ومعه الشعب السعودي نساء ورجالا وصغارا وكبارا، وقبل ذلك فإن الله مع "أبوفهد"، فالمولى جل وعلا استخلفنا جميعا لعمارة الأرض وملوكنا يقودونا نحو عمارتها بالعقل والوعي والعلم والجهد وتقوى الله. رحم الله الوالد عبدالله بن عبدالعزيز، وأطال في عمر الوالد سلمان بن عبدالعزيز، وحفظ الله وطننا بوحدته العظيمة وقيادته المتوثبة، وشعبه الطموح الوفي.
نقلا عن الوطن

arrow up