رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

المرأة الكائن المزعج

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تداول ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي صورة نساء يجلسن متقدمات على رجال مدنيين وعسكريين في إحدى المناسبات الرسمية. شاهدت بعض ما صاحب المشهد من تذمر من قبل عنصر الرجال «عكفان الشوارب» وحماة الحدود! للأسف، فقد انشغل الكثير باللقطة المتداولة عن أهداف تلك الزيارة وما قد يصحبها من فوائد ربما تعود على المنطقة، محل الزيارة، ببعض الإيجابيات. طغيان التفكير الجمعي بصورة مبتورة عن حدث كامل، يُؤكد تركيز الكثير على المسائل السطحية والاهتمام بالعَرَض والقشور بدلا من الجوهر واللب. يزداد الذهول حين تشاهد من ذهب لتحليل المسألة من جانب شرعي تأصيلي لينقل المشهد، بالقياس، من مجلس عملي مهني إلى بيوت الله، مقارنا تقديم صفوف الرجال وتأخير صفوف النساء في المساجد وإقحام الحديث الشريف «خير صفوف النساء آخرها وشر صفوفهن أولها». وذهب آخر، مبعدا النجعة، في التأصيل للاستدلال بآيات كريمات كـقوله تعالى {الرجال قوامون على النساء} و{وقرن في بيوتكن}. وعبّر أحدهم عن حسرته حين شاهد البدلة العسكرية تجلس خلف العباية ولسان حاله يتمنى أن وافته المنية قبل أن تبصر عيناه ذلك المنظر المزعج! وهناك طرف آخر رأى منظر المشلح خلف العباية حالة تراجيدية تُنبيء عن أمارات آخر الزمان. حقيقة، لا يستفزني هذا البوح الجاهلي إلا حين يصدر ممن يُعد من علية القوم أو محسوب على الوسط العلمي أو الإعلامي وربما الثقافي. كنت أظن، وخاب ظني، أن المثقف أو الأكاديمي يسير في ركب العقل المستنير البعيد كل البعد عن التمييز العنصري أو الجنسي والذي يستمد رؤيته الفلسفية من مشكاة النضج المعرفي وليس من ظلمات العادات والتقاليد التي تغلف أحيانا بلبوس النصوص الدينية البريئة من هذا الاعتساف الظالم. الحديث الشريف الذي يشير إلى خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، ليس المقصود فيه الشر المحض الدارج والمتبادر للأذهان. بل المقصود الأقل كمالا في الأجر، وهذا النقص في الكمال شر نسبي لا شر عرفي، وإلا فكيف يكون صاحب شر من صلى آخر صفوف الرجال، أو من صلت أول صفوف النساء، وهل يجتمع أجر وعقاب معا؟ أو خير وشر أثناء الصلاة في بيت من بيوت الله؟! يذكرنا هذا فيمن يطرد صغار السن من الصفوف الأولى بحجة حديث (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى)، وما علم أن المراد حث أولي الأحلام والنهى للمبادرة ليكونوا في الصفوف الأولى وليس المراد طرد الصغار والاعتداء على مواقعهم. رواد الشعر النبطي أيضا كان لهم إسهام في هذه اللقطة، إذ لا يمكن أن تمر عليهم مرور الكرام، حيث يرى بعضهم المشهد فرصة عظيمة لـ «الهياط» الشعري، فصاغ أحدهم أبياتا مستنكرا أن «عكفان الشوارب» وحماة الوطن يجلسون خلف النساء! الأمر الذي يشعر المتلقي أن «عكفان الشوارب» تعني المفكرين والمبتكرين ورواد الفضاء، حتى إذا ذهبت الحماسة الشعرية اللحظية وعاد لعقله الباطن، تذكر أن المقصود، شعيرات تحت الأنف! أخي «المهايطي» سواء كنت شاعرا، كاتبا، مدنيا، عسكريا أو لديك تقديس خاص للمشلح ونظرة دونية للكائن المزعج داخل العباءة، تذكر أن ذلك الكائن هو من أنجبك وأنجب «عكفان الشوارب» وأصحاب المشالح وحماة الحدود.



نقلا عن الوطن

arrow up