رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

«ملاكمة» الشباب والشيبان في بيئة العمل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صراع قديم جديد؛ لن يتوقف بين أجيال العاملين في بيئات العمل حول العالم، بما فيه بيئة العمل لدينا. يأتي الشباب وحديثو التوظيف إلى وظائفهم الجديدة، وما هي إلا عدة أشهر من التأقلم واكتساب بعض المعرفة بأنظمة وإجراءات العمل، حتى تبدأ "غاراتهم" شيئا فشيئا على "متاريس" بيئة العمل التي تضمهم، ذات مرة تتجه انتقاداتهم نحو إجراءات العمل، أن الزمان قد عفا عليها فلا بد من تحديثها للتوافق مع رتم العصر، وفي مرات أخرى ترى تلك "الغارات" تتجه صوب المتربعين على سدة المناصب الإدارية الأعلى منهم من مديرين ورؤساء، وأن جمود تفكيرهم وعدم مزامنته للتطورات المتسارعة، كان حجر عثرة في طريق الارتقاء بمتطلبات أداء الوظائف والمسؤوليات.
القاسم المشترك بين تلك "الغارات" الشابة في مختلف بيئات العمل، والسهل اكتشافه؛ يظهر جليا في "الحل" شبه المتفق عليه لتجاوز تلك المعضلات والمعوقات التنظيمية، ممثلا في ضرورة "إحلال" الشرائح الشابة ذات الحماس الأكبر محل القيادات العتيقة، التي اتفقت أغلب أدبيات بيئة العمل المحلية على وصفها بـ "الشيبان"، وأن هذا الحل الوحيد كفيل بأن يعالج تأخر أو قصور الأداء الوظيفي، وقد لا يتاح لأحد التعرف على المنهجية أو الرؤية البديلة، التي يحملها من يؤمن تماما بمثل هذا الحل، حتى يمكن الحكم عليها وتقييمها موضوعيا، وهل أنها فعليا تمتلك مقومات الكفاءة والقدرة على الإنجاز والنجاح؟ أم أنها على العكس من ذلك؟
في المقابل؛ تتصدى دروع "الشيبان" على حد تعبير خصومهم، بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لتلك "الغارات الشابة"، اعتقادا منها أن النتائج الموعودة لحلول الفريق الحديث التجربة، لن تتحقق كما يظن ذلك الفريق، بل قد تتسبب في إرباك وتأخير آليات أداء العمل، أو حتى قد تتسبب في نتائج معاكسة تماما، لا يمكن لهم كقيادات ومسؤولين تحمل مسؤوليتها وتبعاتها الكارثية على حد تفكيرهم. وهكذا تمضي حياة بيئات العمل هنا وهناك ومن حولنا، بين كر وفر، وشد وجذب، قد يثمر وجوده إيجابيا عن إيجاد بيئة تنافسية، يطغى على رتم أداء مهامها ومسؤولياتها التجديد والتطوير المأمول، في الوقت ذاته لا تتخلى عن ثوابت وأسس راسخة تعتبر العمود الفقري لوجودها ونجاحها. وأيضا قد ينتج عن تحول هذا التنافس إلى صراع يشبه "الملاكمة" بين الخصوم، آثار بالغة سلبية، قد تتسبب في توقف الأداء، وتباطؤ إنتاجية العاملين نتيجة انشغالهم بالصراعات فيما بينهم، على حساب أداء المهام والمسؤوليات الموكلة إليهم.
يعد الأمر برمته جزءا طبيعيا من حياة أي مجتمع؛ فمن أصبحوا اليوم "شيبانا" متربعين على المقاعد القيادية، كانوا بالأمس البعيد "شبابا" قاموا بالغارات نفسها على بيئة أعمالهم آنذاك، وجاهدوا كثيرا لإحداث التغيير والتطوير وفق تصوراتهم في تلك المرحلة. ومن هم "شباب" المرحلة الراهنة، سيأتي مستقبلا اليوم الذي يتم تنصيفهم كـ "شيبان" من قبل زملائهم الشباب وقتئذ، وسيتحول موقفهم الإداري من تنفيذ "الغارات" إلى التصدي لها (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
الركيزة الأساس هنا، لاستثمار الطاقة القصوى لدى الشباب الطموح للتغيير والتطوير، دون محاربتها أو التسبب في هدرها لأي سبب كان، في الوقت ذاته استثمار خبرات الكوادر القيادية، والاعتماد على مخزون تجربتها الذي لا غنى عنه، ولا مجال للتفريط به، فيما يشبه الانتقاص منه أو عدم تثمين جهود وموارد تم بذلها سابقا، كان لها الفضل الكبير بعد الله في الوصول إلى مستويات الإنجاز أو النجاح الراهن، مع الأخذ بعين الاعتبار دون شك، الاعتراف بوجود أوجه للقصور إن وجدت، إلا أنها لا يمكن أن تلغي بأي حال من الأحوال، منجزا قائما بكيانه أمام الجميع له موقعه على أرض الواقع، صغر أم كبر ذلك الموقع.
يمكن إيجاد تلك الركيزة بالعمل على ترسيخ وجود "بيئة متوازنة"، توفر للجميع فضاء واسعا يقبل أفكارهم وآرائهم دون استثناء، ودون إقصاء لأي طرف من الأطراف، تتسم بعدد من الضوابط التي تكفل للجميع حق المساهمة في التطوير والتغيير بالفكرة والرأي، وتوفير قنوات الاتصال اللازمة لطرح مثل تلك الآراء والطموحات، سواء عبر الاجتماعات الروتينية في بيئة العمل، أو من خلال قنوات للتواصل مخصصة لاستقبال تلك الطروحات التطويرية، ولمناقشتها بين الأطراف كافة في اجتماعات مخصصة لمثل هذه المشاريع. توجد آليات عديدة، وخيارات واسعة جدا، يمكن الاعتماد عليها لأجل تحقيق ما تقدم، يحدد الآلية أو الخيار الأمثل فيما بينها، البيئة العملية لكل جهاز أو منشأة، فما قد يصلح في بيئة عمل بعينها، قد لا ينجح أبدا في بيئة عمل أخرى.
إنه الأمر المهم الواجب أخذه في عين الاعتبار؛ ذلك أن خطأ غير مقصود في اختيار الآلية الأفضل لتنفيذ مثل تلك المشاريع، قد يؤدي إلى زيادة الصراعات الإدارية، وتشتت الجهود، وتحول بيئة العمل إلى نمط من العدوانية بين أفرادها، لا شك أنه سيترك وراءه آثارا سلبية على المستويات كافة. والعكس صحيح؛ أن الاختيار الصحيح للآلية المثلى للتنفيذ، ستنتج عنه آثار إيجابية محمودة على المستويات كافة، سيكون الجميع حاصدا لنصيبه المستحق من نجاحاتها ـــ بإذن الله تعالى ـــ والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

arrow up