رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

«أنجلزة» التدريس الجامعي "نعم" ولكن كيف ؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ثمة حقائق تكاد تكون من المسلمات في مجال التعليم إذا ما أردنا تطويره والارتقاء به وبمخرجاته حتى تكون أكثر مواكبة لإيقاع عصرنا هذا المتسارع بوتيرة جعلت حتى الدول المتقدمة في كل المجالات تجري لاهثة في سباق القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحتدم هذا.. ولا يماري إلا مكابر في أن واحدة من هذه المسلمات التي لا تقبل الجدل ضرورة الاعتناء بمسألة اللغة الثانية في التدريس، على أن يتم التعامل مع هذه المسألة بمنتهى العقلانية والهدوء، وقد كتبت من قبل، وفي أكثر من موقع، بأن التغيير لا يعني بالضرورة التطوير، وكم من تغيير في عالمنا العربي الحديث قاد إلى نتائج كارثية، سواء على مستوى الأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية، وما ذلك إلا بسبب العجلة والغفلة والمقاربات السطحية والتقليد الأعمى والشعارات الزائفة البراقة تحت لافتات التطور والتغيير والتقدم، وما إليها من دعاوى تطلق بحماس ويقبل الناس تحت ظلها على تخريب مجتمعاتهم وخلخلة البنى الاجتماعية والقيمية فيها، وينعكس كل ذلك في عدم استقرار اجتماعي، وتروح النظم التعليمية التقليدية «في خبر كان»، ثم لا تحل مكانها نظم بديلة حقيقية تلبي احتياجات المجتمع ومستلزمات تقدمه ورقيه.
نعم إن «أنجلزة» تدريس بعض العلوم في جامعاتنا يعتبر ضرورة ملحة، فاللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية الأولى بين اللغات، والعلوم العصرية تنتج باللغة الإنجليزية، ولذا لا مجال أمامنا، إذا ما أردنا أن نواكب الحركة العلمية في العالم من أن نقوم بتدريس هذه العلوم بلغتها التي أنتجت بها. ولكن السؤال الأهم من ذلك هو: كيف نفعل ذلك دون أن نلحق الضرر بالعملية التعليمية من أساسها، ونحصد بالتالي ما نسعى ونصبو إليه من نتائج، ومردود إيجابي ؟.

هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نطيل الوقوف عنده طويلا، إذ من البديهي أننا لا يمكن أن نقرر في لحظة ما «أنجلزة» تدريس المواد في الجامعة دون دراسة متأنية لكيفية تنفيذ ذلك بطريقة علمية وعملية واقعية، بينما مخرجات تعليمنا العام تشكو هذا الضعف الشديد في تحصيلها اللغوي من هذه اللغة، إذ إن مخرجات التعليم العام هي في واقع الأمر مدخلات التعليم العالي، فلابد إذن من إعداد الطالب لغويا في مراحل تعليمه العام حتى يكتسب المهارات اللغوية اللازمة لتلقي جرعات أكبر في تعليمه العالي. هذا هو البديهي عقلا ومنطقا، وأما إذا كنا نستشعر بأننا في عجلة من أمرنا ونريد تطبيق «أنجلزة» المواد الدراسية لبعض العلوم في جامعاتنا عاجلا ولا نستطيع الانتظار لإنجاز هذا الأمر على النحو الملائم الذي ذكرناه، وهذا ما يسمى بحرق المراحل، فإننا في هذه الحالة سنحتاج إلى استقدام أساتذة وليس مجرد دكاترة أجانب من الغرب، وليس من بعض الدول الآسيوية، لتدريس هذه المواد باللغة الإنجليزية لفترة طويلة حتى يتأهل الطلاب الذين يتلقون العلم منهم كأساتذة في المستقبل، لأن حصيلة الأستاذ الجامعي المحلي والعربي والآسيوي من اللغة الإنجليزية لا يمكن أن يعتد بها، وأعرف مثل غيري من أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا أننا عانينا الأمرين لإعداد أبحاث تخرجنا في الجامعات الغربية حيث يحتاج الواحد إلى أكثر من شخص يساعده لاجتياز حاجز اللغة. أقول هذا ليقيني التام بأن التدريس الجامعي ليس تلقينا وحفظا واستظهارا بقدر ما هو عملية حوار وتلاقح أفكار.

arrow up