رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

يحق لنا ما لا يحق لغيرنا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

جوهر احترام الذات يتجلى في احترام الإنسان‫..‬ كل إنسان يستحق أن يُمنح ‪كافة‬ حقوقه بشكل عملي جاد وليس مجرد تنظير. إن هضم حقوق الإنسان وتحقيره بمجرد اختلافه عنا في اللون أو المعتقد أو الوطن هو، في حقيقة الأمر، احتقار لذواتنا من جهة اشتراكنا معا في المنظومة الإنسانية. أنسنة الإنسان والاهتمام بالأبعاد والمفاهيم والقيَم الإنسانية الراقية، هي سمو بالعقل وتهذيب للسلوك حتى يصبح كل فرد منا يستوعب هذا المطلب الحضاري جيدا، بل ويصبح مدافعا عن حقوق عموم بني البشر، وإن تنوعت المنظومات الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية. إن أهم حق للإنسان والذي لا يسقط بالتقادم هو حقه في الاحترام حتى وإن أساء هو في احترام الآخرين، أو ارتكب من الشرور والجنايات فيظل يحتفظ بنصيبه من الإنسانية المستحقة للاحترام، إذ إن الجريمة مهما عظم شأنها لا تسقط إنسانية الإنسان لاسيما أن لديه فرصة التحول الجذري الذي قد تجعله متفوقا على من احتقروه وامتهنوا إنسانيته. إننا حين نقر بحقوق الإنسان المدنية والفكرية ونمنحها له عمليا وندافع عنها لأجله فنحن، في الواقع، ندافع عن حقوقنا كبشر، ندافع عن الشرعية الشمولية التي تضمن لنا ديمومة وثواء تلك الحقوق. وحين نمارس تجزئة الإنسان بحسب بشرته لا بشريته، جنسيته لا جنسه، منطقته لا منطقه، عقليته لا عقله وغيرها من الأبعاد المتخلفة التي نؤنسن من خلالها الفرد تبعاً لها فإننا حتماً نخضعه لصنوف التصنيفات التي تعتمد على تلك التجزئة الخادشة لصريح جوهر الإنسان. وعليه، لن نفلح -نظريا- بتقديم خطاب قيَمي جذاب بما يتوافق مع الواقع المتغير والمتطور، ولن نفلح -عمليا- من خلال سلوكياتنا المترعة بانتهاك القيَم والتي لا تُغري الآخرين على الانجذاب لنا، لاسيما وقد برعوا هم في الارتقاء على المستوى العلمي والقيَمي والحفاظ على النظام العام واحترام الوقت والقوانين وتقدير الإبداع والإنجاز والمهارات. الذي يعتقد أن الدفاع عن المذهب أو الدين يقتضي الدفاع عن حقوق أصحاب مذهبه أو دينه، فقط دون غيرهم، هو يمارس التشويه لذات المذهب والدين، ويفتح الباب للممارسات اللاإنسانية ضد المنتمين لدينه ومذهبه، كرد فعل محتمل، فضلاً عن أنه يشرعن للمنتسبين إلى معتقده انتهاك حقوق المختلفين عنهم عقديا أو الرضا بما يحدث ضدهم من انتهاكات حقوقية ومالية ومعنوية وحتى جسدية. العنصرية الوطنية والمناطقية والعشائرية والطبقية، هي الأخرى، لا تقل عن العنصرية الدينية، وخاصة حينما يكون فيها نشوء جو عدائي وانتهاك لحقوق الإنسان المنتمي لغير الوطن أو المنطقة أو القبيلة. يصل الأمر قُبحاً إلى التغافل عن السلوك السلبي لأبناء وطنه، منطقته وقبيلته وربما الدفاع عن تصرفاتهم السلبية وتبريرها. ونتيجة لذلك، تُسجل هذه الجنايات في سجل الوطن وتصبح مقترنة به وبأهله ويتكبد الأفاضل جريرة الأراذل، الذين لا يُدركون تأثير سلوكهم على انتماءاتهم. لا بد أن يدرك الشاب الذي يدرس أدبياتنا العربية في المناهج أو يطلع عليها من خلال قراءاته الخاصة، أن السلوكيات العدوانية في امتهان الأنام واحتقارهم لم يعد لها وجود في عالم تسوده الحضارة. لقد ولّت قوانين الغاب وثقافة الصحارى كنظرية (زهير بن أبي سلمى): ومن لم يُذدْ عن حوضه بسلاحِهِ يُهَدَّم.. ومن لا يظلمِ الناسَ يُظْلمِ وقول الآخر: لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا بُغاة ظالمين وما ظُلمنا ولكنّا سنبدأ ظالمينا.. للأسف، هذه النظريات مازالت مسيطرة على عقليات البعض صغارا وكبارا، حيث يَعدُّون من يأخذ حقه أو حق قبيلته بيده من خلال النظام الجاهلي (دق خشوم) هو (رجال من ظهر رجال) يستحق التباهي والاعتداد. وعلى هذا المنطق الإرهابي العشائري نشأ الإرهاب الديني الذي يفجر ويقتل وينثر الدماء والأشلاء هنا وهناك بحجة نصرة الدين بينما المتضرر الأول من هذا العبث هو الدين وأهله، والوطن وأهله. البعض حين يخصهم الله بنعم كثيرة، يتخيلون أنهم أفضل من غيرهم، وربما اعتبروا تلك الميزات الممنوحة لهم هي استحقاقا بسبب ذواتهم أو نسبهم، ومن هنا تنشأ السخرية والتعالي ونظرة الاحتقار وانتقاص الآخرين. على أن المجد والمفخرة في زمن كهذا لم يعد بالانتماءات التي تعشش في رأس العنصري، بل هي بهذه العلوم التي ولّدت لنا أجهزة معقدة كالجهاز الذي أكتب به المقال على متن ناقل جوي عملاق أشد تعقيدا (أيرباص)، يحلق فوق المحيط الأطلسي، وأبعثه (المقال) لصحيفتي الموقرة إلكترونيا عند الهبوط، عن بعد 13 ألف كيلومتر، وتقرؤه أنت أخي الكريم على هاتفك مستلقيا على أريكتك في جدة أو في جزيرة كورون، وربما فوق هضبة حيدر نبي الطرابزوني. نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up