رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

كيف تكون وزيراً جماهيرياً في السعودية..؟!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هي خطوات يسيرة ما إن يضع «الوزير» قدمه عند أول خطوةٍ منها حتى يجد نفسه (مش نجماً) بل قمراً وسراجاً منيراً.. إذ تُدبّج فيه القصائد ذوات العدد وتتشنّف الآذان بالشجي من الشيلات تتغنى بمآثره.. ولئن عُزلَ فلا تسأل حينئذ عن المناحات وما يكتنفها من الشقّ واللطم والعويل، حيث يُنصب لها سرادق العزاء في كلّ وادٍ من وسائل التواصل الاجتماعي وما من شعارٍ لها غير: (يا لثارات الوزير)!.. وثمّة من يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك وبخاصةٍ من لدن أولئك الذين جعلوا من معاليه – رضي الله عنه – امتحاناً لِصدقِ التديّن وابتلاءً يُهتك به سترَ قلوبٍ قد عمرها النفاق.. وليس بخافٍ – في هذا السياق شطحاتُ أحدهم – وكثيراً ما كان يشطح غير أنه من السابقين بإحسانٍ فليشطح فضيلته بما شاء فقد غُفر له!! – إذ كتب بيقينٍ لا مرية فيه قائلاً: (لا مشاحة بين من كان في قلوبهم أدنى ذرة من إيمانٍ أنّ مَن وجَد في قلبه كرهاً أو مخالفةً لما صدر عن معاليه في تلك الحقبة فإنما يُخشى على إيمانه ونخاف عليه من الردّة)!! على أيّ حالٍ.. فإنّ الشقّ أكبر من «الرقعة» ودعونا الآن ندوّن الخطوات التي يُمكن لـ: «الوزير» من خلالها أن يكونَ ملّ السمع والبصر وشاعل الناس حيّاً وميتاً.. وهذه الخطوات أرقمها بالآتي: * زياراتٌ «روحانيّة» للعلماء – وبعض من طلبة العلم – ويُفضل أن تكون الزيارة ضُحىً مسبوقةً بركعتيها حين ترمض الفصال وإن تعذر التوقيت بتعارضها مع قيلولة معاليه فلا بأس من أن تكون الزيارة عقب صلاة الفريضة مباشرة ليؤديها مع سماحته ليُشهدَ له بالإيمان بارتياده المسجد.. وتأتي هذه الزيارة تجديداً لإيمانه ورداً غير مباشرٍ على مَن شغبوا عليه في شأن استقامته. * حضورٌ طاغٍ في: «تويتر» يُسجّل فيه معاليه أن قلبه لم يكن أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً بل هو يتمتع بقلبٍ حيٍّ إذ مازال ينبض توجعاً على مآسي: «المسلمين» وما بين فينةٍ وأخرى يُطعم معاليه: «حسابه» بالتذكير بالوتر وبأوراد الصباح والمساء وبالتحذير من الإسبال. * امتلاكُ أذنٍ سمّاعةٍ لما يقوله: «الجمهور» ويكون مرهف الحسّ إزاء الإنصات لأصواتٍ تنتشي احتفاءً بـ: «شكلانيّة» تدينٍ لا تزيد الأمة إلا غثائيّةً ذلك أنّ حقيقة التدين موقف وسلوك تتوكّد معانيه من خلال: «الإحسان.. اعبد الله كأنك تراه….». وابحث عن الشيطان في تفاصيل: «التدين» حينما يتحوّل آلة من آلات الصراع التي تفرق ولا توحد وتخلق مناخاً لمجتمع لا يفرز إلا الضغينة والكراهية.! * اجعل من اختصام الأطياف داخل المجتمع رهاناً على حضورك واحذر من أن يفهم عنك حياديّة – وضبابية في الموقف – بل اتبع السواد الأعظم ولا بأس ما بين حينٍ وآخر أن تمرر شيئاً من قراراتٍ – وأن تكون موجودة من ذي قبل – لكن لا بأس أن تُعيد لها البريق ثانيةً فتمررها بما يطرب له السواد الأعظم. وما من أحدٍ اتخذ له من مظاهر: «التدين» رداءُ إلا حظي بالقبول ظاهراً وأوشك إذ ذاك أن يحظى بتقديسٍ يغفر له من قِبلِ الاتباعِ كلّ ما يأتي ويذر حتى إن كان بينه وبين الاتقان بُعد المشرقين. ويعاني فقراً – مدقعاً – في الإمكانات وجودة الأداء!. * أعد في الناس سيرة: «عمر» واستصحب الفلاشات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وأينما رحت أو جئت.. وليكن لك في كلّ مرفقٍ يغشاه الفقراء صورةً وفي كلّ مكانٍ متواضعٍ صور تسفر عن نبل تواضعك.. وحاشاك أن تنسى أن الجلوس على إحدى زلف السّلم وركبتك إلى ركبةٍ مواطن رثّ الثياب ثم التصوير لها من كلّ جانب ذلك أنّ مثل هذه السابقة التصويرية ستجعل منك: «راشدياً» غير أنك قد جئت في الزمن الخطأ! بقي لي أن أفطنكم: بأن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يشأ أن يفوّت مثل هذه المناسبة دون أن يقول فيها قولته المسددة: «من وَلِي من أمر المسلمين شيئاً فَوَلَّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين». بل إنه ليمضي لما هو أبعد من ذلك بكثير إذ يحرر معنى: «الخيانة» فيوسع دائرة شموليتها وذلك أنه عدّ منها: (تولية الكفء) في حالة وجود من هو أكفأ منه، فقال «من قلَّد رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين. وبالجملة فإن تولية ذا الكفاءة أولى من تنصيب آخر لذات المهمة بسبب من كونها أكثر تديناً واستقامة.. ولم نزل بعد مع عمر وهو الذي حين أرهقه أهل الكوفة بما عرف عنهم من شغب إذ كلما أرسل لهم والياً كرهوه (تحفّظاً عليه) فقال عمر مرةً لأهل مشورته: «ما تقولون في تولية ضعيف مسلم أو قوي فاجر؟ فقال له المغيرة بن شعبة: المسلم الضعيف إسلامه له وضعفه عليك وعلى رعيتك، وأما القوي الفاجر ففجوره عليه وقوته لك ولرعيتك» وتلك هي الإجابة التي تتفق وفقه مقاصد الإمامة في باب الولاية والتي قرأناها فيما بعد لدى الإمام أحمد بن حنبل حين سئل: عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَكُونَانِ أَمِيرَيْنِ فِي الْغَزْوِ، وَأَحَدُهُمَا قَوِيٌّ فَاجِرٌ، وَالْآخَرُ صَالِحٌ ضَعِيفٌ، مَعَ أَيِّهِمَا يُغْزَى؟ فَقَالَ: أمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ فَقَوْتهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَأَمَّا الصَّالِحُ الضَّعِيفُ فَصَلَاحُهُ لِنَفْسِهِ، وَضَعْفُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَيُغْزَى مَعَ الْقَوِيِّ الْفَاجِرِ» إذ بالأخير تبرأ الذمة وتكون النصيحة…. ومن هنا توكّد للعلماء والفقهاء بخاصةٍ العمل بقاعدة: أهل الكفاءة قبل أهل الثقة.. وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية: «فَالْوَاجِبُ فِي كُلِّ وِلَايَةِ الْأَصْلَحُ بِحَسْبِهَا. فَإِذَا تَعَيَّنَ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ أَمَانَةً، وَالْآخَرُ أَعْظَمُ قُوَّةً؛ قُدِّمَ أَنْفَعُهُمَا لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ، وَأَقَلُّهُمَا ضَرَرًا فِيهَا؛ فَيُقَدَّمُ فِي إمَارَةِ الْحُرُوبِ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الشُّجَاعُ – وَإِنْ كَانَ فِيهِ فُجُورٌ – عَلَى الرَّجُلِ الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا». وفيما كان قبلُ من قول النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – في حق أبي ذر: «إني أراك ضعيفاً» من الفقه الكبير الذي يجب ألاَّ يفوّت في مثل هذه الحالات. نقلا عن الشرق

arrow up