رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

هلا بالخميس

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حب العمل مطلب جسيم كي نصل إلى النهضة الصناعية والتقنية الجديدة التي تتطلع لها السعودية الجديدة، غير أننا بحاجة حتمية للتغلب على ظاهرة كراهية العمل، على الأقل، لدى الجيل الصاعد المتجه نحو «نيوم» لحل ظاهرة يابانية تسمى «كاروتشي»، وتعني الموت من أجل العمل، قامت الحكومة اليابانية بترشيد الموظفين والموظفات، لمنعهم من العمل حتى الموت وطلب الحصول على إذن مسبق للبقاء في مكان العمل لوقت متأخر، عبر حملة «إصلاح نهج العمل»، والتي تبناها رئيس الوزراء الياباني بنفسه، لتخفيض ساعات العمل، وتحقيق التوازن بين الحياة والعمل لتصبح الحملة شعارا وطنيا يابانيا. وصل الأمر إلى تحفيز الموظف الياباني على المغادرة المبكرة من خلال مكافأة مالية. وقرأت كذلك أن هناك مخالفة في اليابان تسمى «الإفراط في العمل» والتي أصبحت شائعة لديهم، إلى حد أن وسائل الإعلام تصف هذه الشركات بالشركات «السوداء». في بريطانيا، شاهدت بنفسي حوارا بين موظفتين في استقبال فندق، تُذكّر إحداهن الأخرى بأن غدا يوم عطلتها المعتاد، بينما المعنيّة كانت قد نسيت لانهماكها في عملها وعشقها له، بل وتطالب بإعفائها من تلك العطلة!
في المقابل، نجد مجتمعاتنا العربية تحتفل بأيام العطل والإجازات بطريقة مبالغة جدا، وتحسب حساب عطلة نهاية الأسبوع منذ اليوم الأول فيه، وتحسب حسابها أيضا منذ اليوم الأول بعد العودة من الإجازة السنوية! من أول يوم دوام في الابتدائي وحتى أول يوم تقاعد في العمل، نجد الفرد منا يحمل همّ وعبء الحضور للعمل عموما، واليوم الأول على وجه الخصوص حتى أضحى يوم الأحد أسوأ أيام حياة كثيرين، بينما يوم الخميس هو الأجمل والألطف، لهذا نبدأ منذ ساعاته الأولى بالتفاعل مع وسم «الخميس الونيس»، ونتغنى بـ»هلا بالخميس». هل لهذا علاقة في حبنا للفوضى وعدم الالتزام والانضباط في عموم حياتنا، أم هي ثقافة مجتمع، نشأ الصغير عليها وفتّح عينيه وهو يشاهد والديه ومجتمعه يمقتون العمل ويشتمون ساعاته وأيامه؟. البعض يتحدث عن بيئة العمل السيئة والحوافز المفقودة، قد يكون الأمر كذلك إلى حد بعيد، غير أن الصدمة تأتي حين نشاهد بيئات عمل مثالية موجودة في شركات كبرى لدينا -الكثير يحلم بها-، إلا أننا نجد تذمر كثير من منسوبيها وكراهية عملهم رغم ما ينعمون به من بيئة محفزة ونموذجية. يُبدي الكثير ممّن تحدثت إليهم بهذا الخصوص، قلقهم من قضية الأمن الوظيفي، وهو الشغل الشاغل للكثير، والذي يحُدّ من حب العمل والتفاني فيه. في نظري، الأمن الوظيفي يعتمد على الموظف نفسه، وليس على الجهة المشغلة، فحسب. فالموظف الكفء، المنتج، صاحب العطاء والانضباط، -حتما- سيفرض نفسه على المؤسسة ولن تفرّط فيه بسهولة.
من جانب آخر، فإن الفخ الكبير الذي نقع فيه -كموظفين- هو فخ المقارنة بين وظيفتي أنا ووظيفة الآخر، مرتبي ومرتب الآخر، الحوافز والمكافآت التي أتلقاها ويتلقاها غيري، القطاع الذي أعمل فيه ويعمل فيه غيري، ومديري في العمل ومدير صديقي الأفضل، مما يجعلنا في مقارنات محبطة لا تشكّل حلولا بل تؤدي إلى تبريرات لسلبياتنا ومزيد تقصير في أداء مهامنا الوظيفية. وحل هذه المشكلة، في نظري، يكون في أمور منها؛ إعمال مفهوم الرضا الوظيفي، أولا، والسعي إلى تطوير الذات والإنتاج الوظيفي، ثانيا، فإن لم تستطع ذلك فلن يجدي شيء حتى لو انتقلت إلى القطاع أو الوظيفة والمدير الآخر الذي نال استحسانك. الرضا الوظيفي، لا يعني عدم الطموح للترقي في السلم الوظيفي، بل هو مجموعة أحاسيس إيجابية تتضمن القبول والحب والاستمتاع، والتي تعد أهم مؤشرات الصحة والعافية للموظف وللمؤسسة، مما يجعل العمل متعة حقيقية ينال صاحبها، على إثرها، حقوقه من التقدير والترقي ولو بعد حين.
إن الشخص الذي يختار الحب والاستمتاع في مهنته، كقوة دافعة له، يُجابه صعوبات أقل من غيره وإنتاجية أكثر. حب العمل يوفر كثيرا من الجهد والمشقة، ويتيح الرضا عن النفس وإشباع الطموحات والإسهام الشخصي في بناء الذات ونجاح المؤسسة. يساعد حب العمل أيضا على فهم قيمته وقدراته ويقدرها، مما يدفعه إلى تحقيق أشياء أكثر قيمة وأهمية في قطاع عمله. الأمر ليس مجرد تنظير يستحيل وجوده، بل هو حقيقة ملموسة نراها في أفراد بيننا، تُحب عملها وتعشقه وتخلص فيه، وقد شاهدت نماذج وطنية، من هذا القبيل، في قطاعات حكومية وخاصة.
إن هؤلاء أكبر مصدر إلهام وتحفيز لما يطمح أن يكون عليه الموظف المبدع، لأنهم يمنحون فهما حقيقيا لمفهوم العمل ومصدر اطمئنان بيننا وعدم الشعور باستحالة وجودهم، غير أن هذه النماذج -وللأسف الشديد- عملة نادرة جدا.
إن القيادي الناجح له دور بارز جدا في تمكين الموظف الذي تحت سلطته من التعلق بعمله، والإخلاص والتفاني لأجله، وإحداث فارق جسيم عن طريق الحب والتعامل القيادي الحضاري، بينما العكس يفعله الإداري التقليدي الفاشل عن طريق العنف والتسلط والاستئثار. إن الحوارات التي تثار في عالم الأعمال، غالبا ما تتجاهل قوة حب العمل وتأثيره الفعال، وتضع الاهتمام منصبا على الذات وتحصيلها فحسب، من جانب مصالح شخصية وما نجنيه من مرتبات وترقيات وحوافز ومكافآت وعطلات.
حب العمل مطلب جسيم كي نصل إلى النهضة الصناعية والتقنية الجديدة التي تتطلع لها السعودية الجديدة، غير أننا بحاجة حتمية للتغلب على ظاهرة كراهية العمل، على الأقل، لدى الجيل الصاعد المتجه نحو «نيوم». لهذا، فإننا بحاجة قصوى لدراسات وأبحاث تعقدها القطاعات الحكومية المعنية والقطاعات الخاصة، فضلا عن الجامعات ومراكز الأبحاث، لعلنا نتدارك الأجيال القادمة ونخلّصها من هذا الوباء، ومن النفرة تجاه النظام والالتزام والانضباط في كل شؤون حياتنا، حتى يتغنى الجيل الناشئ بـ»هلا بالأحد» كما نفعل نحن بـ»هلا بالخميس».
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up