رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

أحبُّ اللهَ تعالى وأكرهُ هذا: «الواعظ»!!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أعتقد أنّ مثلي كثير غير أنّهم يلوذون بالصمت مخافةَ أنْ يجدوا أنفسهم في الخارج من: «الإسلام» دفعةً واحدة كما هو شأن مصيرهم في الآخرة إذ زحزحهم «بعضٌ» من الوعّاظ (القصّاصين) عن الجنّة وأدخلوهم النار قسراً! أنا لم أعد أُبالي بفخامةِ حناجر: «القصّاصين/ الوعاظ» وبجلجلة أجراس أصواتهم المتحشرجة ببقايا بكائيةٍ اقتضاها تقمّص دور: «الناصح الأمين» ذلك أنّ: «التّباكي» على هذا النحو المُتكلّف انكشف أمرُهُ إذ أدركَ العقلاء من: «جمهور المصلين»بأنّه لا يعدو أن يكون: «إكسسواراً» يصطحبه بعضٌ من: «الوعاظ» بوصفه من أدوات: «الشغل»! لم يتوقّف محاوري عند هذا بل رفع صوتَه وكأنه بذلك يبتغي أن يسمعه «الجميع» فأردف قائلاً: إنّي قد خبرت أساليبهم كلّها وسبرتُ طرائق وعظهم جميعَها فألفيتُ كثيرين منهم يصدّون الناس عن: «طريق الاستقامة» ويأخذونهم باتجاه الغَواية نتيجةَ ضعفهم في فقه: «النصوص الشرعية» التي أتقنوا حفظها من غير أنْ يتأسوا بهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في: «الوعظ» الحق.! بكلّ هذا الاندفاع – الصادق – استأنف حواره معي دون معرفةٍ سابقةٍ فيما بيننا.. استوقفتُه متسائلاً: يا صاحبي ليس لأي أحدٍ أن يزحزحك عن النار ويدخلك الجنة إلا الله تعالى، وباب: «الأسماء والأحكام» في مباحث العقيدة من أخطر الأبواب قرباً وتناولاً وما من أحدٍ يتجاسر في خوض هذا الباب (الأسماء والأحكام) فيمنح هذا اسماً شرعياً «الكفر/ الفسق/ الفجور» ويحكم على آخر بمصيره في الآخرة: «جنّةً أو ناراً» دون فقه إلا مَن كان قد ظلم نفسه وأوردها المهالك.! اندفع ثانيةً وهو يقول: أجل كيف لو كنتَ معنا البارحة في هذا المسجد إذ خرج علينا واعظ «قصّاص» لا يعرفه منّا أحد ولايُرى عليه أثر: «التّورع» فاستأذننا بحديثٍ قالَ إنه لن يتجاوز فيه الخمس دقائق وما منحَنا فرصةً أن نأذن له..!! إذ طفِقَ يتحدّث مبتلعاً «الميكروفون» فامتدت: «مواعظه» ساعةً ويزيد لم نخرج منها إلا بشيءٍ واحد وهو: أنّ من كان في مثل حالتي (أتتن/ وحليق/ ومسبل) ذلك أني لا أخلو من مخالفاتٍ عسى الله أن يغفرها لي.. المهم أنّ من كان على مثلي ما أنا عليه في ذات المسجد هم كثيرون إذ اكتظت بهم جنباتُ المسجد، حيث جاءوا بيت الله حُباً ورغبة فيما عنده من العفو والمغفرة والرحمة التي وسعت كلّ شيء..غير أنّ هذا الواعظ أبى إلا أن يضيّق علينا واسعاً من عفو ربي ورحماته.. وما بين فينةٍ وأخرى كان ينظرُ إلينا الواعظُ شزراً حتى ضاقت علينا أرض – المسجد – بما رحُبت.! قلتُ له وقد همّ بالانصراف: دعك منه ويكفيك أن تقرأ قوله تعالى: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير». وفي تفسيرها ستجد للمحققين من أهل العلم نحواً من هذا القول: (و «أورثنا» جعلنا وارثين. يقال: ورث، إذا صار إليه مال ميت قريب. ويستعمل بمعنى الكسب عن غير اكتساب ولا عوض، فيكون معناه: جعلناهم آخذين الكتاب منا، أو نجعل الإيراث مستعملا في الأمر بالتلقي، أي أمرنا المسلمين بأن يرثوا القرآن، أي يتلقوه من الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وعلى الاحتمالين ففي الإيراث معنى الإعطاء فيكون فعل «أورثنا» حقيقا بأن ينصب مفعولين.. والمراد بالذين اصطفاهم الله: هم المؤمنون كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) إلى قوله (هو اجتباكم)، وقد اختار الله للإيمان والإسلام أفضل أمة من الناس، وقد رويت أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى في مسند أحمد بن حنبل وغيره ذكرها ابن كثير في تفسيره. ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بشروا به جيء بالتفريع في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفين لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإيمان والإسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام. وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلا لمسرته. والفاء في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلخ تفصيل لأحوال الذين أورثوا الكتاب أي أعطوا القرآن. وضمير «منهم» الأظهر أنه عائد إلى الذين اصطفينا، وذلك قول الحسن، وعليه فالظالم لنفسه من المصطفين ولذلك يكون قول الحسن جاريا على وفاق ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعقبة بن عمرو وما هو مروي عن عائشة وهو الراجح. فالظالمون لأنفسهم هم الذين يجرون أنفسهم إلى ارتكاب المعصية، فإن معصية المرء ربه ظلم لنفسه لأنه يورطها في العقوبة المعينة للمعاصي على تفصيلها، وذلك ظلم للنفس لأنه اعتداء عليها إذ قصر بها عن شيء من الخيرات قليل أو كثير، وورطها فيما تجد جزاء ذميمها عليه. قال تعالى حكاية عن آدم وحواء حين خالفا ما نهيا عنه من أكل الشجرة قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم، وقال قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا….) ومن قبل أن أودّعه قلت له: لا تنس قراءة تتمة الآيات إذ جاء في آخرها قوله تعالى: «جنّات عدن يدخلونها» إذ عمّ الله تعالى – منةً منه وفضلا – جميع الأصناف الثلاثة ومنهم: «الظالم لنفسه» بدخولها. قال القرطبي في «تفسيره»{16/2}:»فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع، مداهنة أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: «فقولا له قولا لينا»، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه، وقال طلحة بن عمر قلت لعطاء: «إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل فيّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: «وقولوا للناس حسنا» فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي؟» تبقّى من القول: إني أرى: «الوعظ» مقاماً هو أجلّ من أن يكون صفة لهؤلاء إذ هم: «قُصّاص» ليس إلا.. وثمة مقالة قادمة أحرر فيها القول بأنّ: «الوعظ مهنة الأنبياء» عليهم السلام وشرفٌ لمن كان على إثرهم (يعظ) على منهاج النبوّة حيث الرحمة والرفق واللين والحب. نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up