رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

مساوئ المقاطعة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الأشخاص المنتجون يعرفون جيدا قيمة العمل في كتلة من الوقت دون مقاطعات، لا سيما حين يصاحبها تركيز وحشد ذهني مثمر
كثير منا يعرف سلبية المقاطعة، إلا أن تلك المعرفة ربما تكون سطحية لا تصل إلى إدراك عواقبها، وتصور مآلاتها على إنتاجية الأفراد والمجتمعات والمؤسسات واقتصاد البلد. تقول التقارير، إن العمل الذي تتخلله مقاطعة يكلّف 50% وقتا أطول مما يستحقه، ويسبب أيضا 50% من الأخطاء الإضافية أكثر من العمل الذي لا تتخلله أي مقاطعة. بمعنى أن العمل أو المهمة التي تستغرق منك ساعة واحدة من الزمن دون مقاطعة، ستكلفك ساعة ونصف الساعة مع المقاطعة، مهما كانت صغيرة، وإذا كانت نسبة الأخطاء في العمل المركز مثلا ‪،%10‬فإن هذه النسبة ستزداد مع المقاطعة لتصل إلى 15‪ ‬ % من الأخطاء. يحتاج الدماغ البشري إلى شيء من الوقت حتى يصل إلى حالة من التركيز اللازم، ليتمكن صاحبه من أداء عمل ما دون الشعور بالتشتيت الذهني. وحين يصل الشخص إلى هذه الوضعية، يستطيع التمتع بحالة من الإنتاجية المتدفقة، طالما أنه لم يتوقف أو يتعرض لمقاطعة. يتحسس الدماغ من التدخلات الخارجية حين يكون في وضعية التركيز العالية، وحين يتعرض لمقاطعة فإنه يتحول إلى موضوع مختلف لا علاقة له بنمط التفكير الحالي، الأمر الذي يتسبب في طرد التعبئة الذهنية والصفاء الفكري الذي توصل إليهما. إن الانقطاع المتكرر، خلال أداء المهمة، يحُول بينك وبين الدخول الكلي في وضعية تدفق الإنتاجية البدنية أو الذهنية، فقد أثبتت التقارير أن نسبة 80% من المهمات المتقطعة يستكملها أصحابها، لكن بروح وإنتاجية أضعف، بينما الجزء الآخر من الناس يتوقفون عن أداء تلك المهمة التي تسبب أحد ما في مقاطعتها. حين يكون شخص ما في حالة من التركيز الفعلي، ويقوم أحد بتشتيت ذهنه، فإنه يحتاج إلى 23 دقيقة حتى يعود إلى المهمة الأصلية، و30 دقيقة أخرى للعودة إلى العطاء حتى يكون منتجا مرة أخرى. المقاطعة، في حقيقتها، عبارة عن قرع مزعج لكهف التركيز، والذي يُرغم المهمة على الفرار، بحيث يصعب عودة الوضعية الأصلية بالسهولة التي نتخيلها. خلال مقاطعتك أحدهم، تظن أنك وضعته في حالة توقف لدقيقة أو دقيقتين ليس إلا، لكن في الواقع إن الدقيقة الواحدة قد تكلفه ساعة كاملة وربما أكثر. كلنا حصل له توقف فترة وجيزة من آخرين خلال انهماكنا في مهمة ما، غير أن اللافت أنه بعد انتهاء حوارك مع الآخر، تقوم أنت بتمديد فترة التوقف لأنك وقعت، أصلا، في التشتيت، فتقوم بتفحص رسائل البريد الإلكتروني، وتطبيقات واتساب وغيرها، وربما تناولت مشروبا أو أجريت مكالمة ضيّعت وقتك أو أفسدت مزاجك. كم مرة طلب منك أحدهم مداخلة سريعة، ثم تحوّل الأمر إلى حديث مطوّل. لقد ظهر في تقديرك، حينها، أن الأمر لا يعدو أن يكون انقطاعا طفيفا، لكنه تسبب في إعاقة تركيزك لدرجة ربما تستغرق وقتا ليس باليسير للوصول إلى المهمة الأصلية مرة أخرى، هذا إن كنت محظوظا وتمكنت من العودة إليها في اليوم نفسه. الأمر السيئ في هذا الشأن، ملاحظة أن تكرار انقطاع عمل مهم قد يرفع درجة التوتر لصاحبه. ونتيجة هذا فإن مقاطعة تركيز شخص خلال أداء مهمة معينة، لا يؤثر على إنتاجيته فحسب، بل ربما يؤدي إلى أضرار صحية تلحق به. أظهرت الإحصاءات أن الاقتصاد الأميركي يخسر أكثر من 500 مليار دولار سنويا من الإنتاجية، بسبب المقاطعات على صعيد العمل. لهذا فإن تكلفة المقاطعات أكثر مما يتصوره كثير من الناس، لا سيما في مجتمعات لا تُعير الوقت ولا الإنتاجية الأهمية المطلوبة. تستطيع تقريب إحصاء الخسائر على مستوى اقتصاد البلد، وذلك بتقدير الساعات اليومية الضائعة من الموظف، مضروبة في متوسط الأجور، مضروبة في عدد الموظفين. وعلى سبيل المثال، فإذا كان الموظف الواحد يُضيع ساعة واحدة من عمله يوميا، والتي تكلف 50 ريالا، فإنه يضيع 13‪,‬000 ريال سنويا. وبالتالي، فإن مليون موظف يضيعون 13 مليار ريال سعودي، فما بالك حين تكون الساعات المهدرة أكثر، وتكلفة الأجور أكثر! المرة القادمة التي تفكر فيها بمقاطعة شخص يعمل بإنتاجية في عمل ما، أو كان يقرأ كتابا أو يستذكر دروسه، عليك أن تنظر: هل مداخلتك أو سؤالك المقتضب يخلق عواقب وخيمة بالنسبة لهذا الشخص ولجهة عمله، أو مضاعفة جهده وزيادة حالة توتره، وربما التسبب في وقوع الأخطاء، الإعاقة، إحداث التأخير، وإمكان قتل المهمة تماما؟. ولرب مقاطعة مقتضبة لعمل معقد ينشأ عنها عمل آخر أكثر تعقيدا. إن الأشخاص المنتجين يعرفون جيدا قيمة العمل في كتلة من الوقت دون مقاطعات، لا سيما حين يصاحبها تركيز وحشد ذهني مثمر. ولهذا، تجد كثيرا منهم يتخذ خطوات للحماية من المقاطعات، خلال ارتداء سماعة لحجب الأصوات والحيلولة دون سماع المشتتات، فضلا عن إغلاق الأبواب والمنافذ، وإغلاق الهواتف، وتنبيه الآخرين بعدم المقاطعة إلا للضرورة القصوى. ومن الحلول أيضا، العمل في مواقع مختلفة، أو خلال العمل في أوقات مختلفة أيضا، كالعمل آخر الليل، على سبيل المثال، للأشخاص الذين يميلون إلى التركيز أكثر لندرة المقاطعة في هذه الأوقات تحديدا. ربما تضطر أحيانا إلى تعليق لوحة أمام الباب أو على المكتب تقول: فضلا عدم المقاطعة إلا لأمر مهم يستحق أن ألغي كل ما عملته في الساعة الماضية!. نقلا عن "الوطن"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up