أي الكوريتين تشبه العرب؟

الفرق الشاسع بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية صنعته الأيديولوجيا.. فرق شاسع بين الدولتين يحتاج إلى مجلدات ومحاضرات ومقالات لا تنتهي.. فرق في كل شيء يمكنك تصوره أو التفكير فيه.. فرق بين الفقر والثراء، بين البؤس والرخاء، بين الكبت والحرية، بين الانفتاح والانغلاق، بين الديمقراطية والطغيان، بين الاقتصاد الحر والاقتصاد الموجه، بين التقدم الصناعي النافع والتصنيع العسكري الذي يمتص خيرات البلاد..
أي الكوريتين تشبه بالعرب؟
حاول أن تستنتج ذلك من خلال الأسطر التالية..
فكوريا الجنوبية بدأت نهضتها في وقت مقارب لمعظم الدول العربية.. مازلنا نتذكر الشركات الكورية التي بنت منشآت النفط وجسور الرياض وملاعبنا الرياضية.. حققت معجزة صناعية في وقت قياسي مقارنة باليابان التي بدأت قبل مئتي عام، وألمانيا التي بدأت قبل ثلاثمئة عام.. حين زرت كوريا الجنوبية عام 2012 دخلت متحفا للصور القديمة في سيئول. توقعت أن أرى صورا قديمة (بالأبيض والأسود) ولكنني رأيت صورا ملونة (حديثة نسبيا) لعائلات فقيرة وأطفال عراة وبيوت من صفيح وكلاب جائعة تحوم حول الأكواخ.. ولكن خلال جيلين فقط أصبحت كوريا الجنوبية دولة صناعية عظمى حققت أعلى نسب نمو في الاقتصاد والتعليم والتصنيع والتصدير للخارج..
ارتفع فيها متوسط دخل الفرد من تحت خط الفقر في الخمسينيات الى 23 ألف دولار في عام 2015.. تعد اليوم ضمن أكبر الاقتصادات العالمية ورابع منتج للسيارات، وثاني منتج للسفن، وخامس منتج للطاقة النووية، وأول منتج للهواتف الذكية، وسادس أكبر مصدر في العالم (ولمعرفة المزيد ابحث عن مقال كتبته بعد زيارتي لكوريا بعنوان: معجزة على نهر الهان كانج)!
.. وفي المقابل هناك كوريا الشمالية التي تكاد تنعدم فيها الحياة إلى حد الموت.. تصنف من قبل الأمم المتحدة كأكثر الدول انتهاكا لحقوق الفرد وأكثر الأنظمة ظلما للإنسان.. يصنف فيها الناس في 51 مستوى بحسب ولائهم للنظام وزعيمه الحاكم.. لا يتجاوز دخل المواطن السنوي 1800 دولار مقابل 800 ألف دولار يصرفها زعيمها الشاب شهريا على متعه الخاصة.. الانترنت فيها ممنوعة والاتصالات مع العالم مقطوعة والتلفزيونات مبرمجة لالتقاط محطة الدولة فقط.. محاولة التقاط أي بث أجنبي أو العبث بقنوات الراديو والتلفزيون يتسبب بالسجن مدى الحياة.. شركة الطيران الحكومية لم تنشئ موقعا على الانترنت إلا عام 2013 ولا تملك غير ست وجهات محدودة تشرف عليها المخابرات المركزية.. كل من ينجح في الهرب للخارج تُسجن عائلته ووالداه وأجداده حتى يعود ليعدم.. لا توجد غير صحيفة واحدة وتصنفها منظمة مراسلون بلا حدود في المركز ما قبل الأخير من حيث الحرية الصحفية (قبل أريتريا).. مازالت تعيش في العهد الماركسي حيث شعارات الثورة والتحرر ومقاومة الامبريالية تملأ الشوارع وأوقات البث.. الحياة فيها تشبه روسيا الستينيات حيث المباني عظيمة والشوارع فسيحة والتماثيل تملأ الساحات، ولكن بلا حياة أو ابتسامة أو سيارات خاصة.. اقتصاد الدولة موجه لصناعة الصواريخ وتمويل رابع أقوى جيش في العالم، لدرجة حدثت فيها أربع مجاعات حقيقية منذ عام 1999 بالكاد سمع عنها العالم..
وككل الأنظمة المغلقة تملك كوريا الشمالية قوانين سخيفة ومضحكة مثل وجود 28 قصة شعر مسموحا بها فقط، وضرورة وقوف أفراد العائلة أمام التلفزيون كلما ظهر الرئيس ليخطب، والعيش في عام 105 (بدل 2016) كون التاريخ الحقيقي يبدأ منذ تاريخ ولادة كيم إل سونج.. جد الزعيم الحالي!
- هل تريدون فعلا معرفة أي الكوريتين تشبه العرب؟
الجواب: ولا واحدة منهما...
فنحن لم نواكب تقدم كوريا الجنوبية، ولكننا مازلنا أفضل من كوريا الشمالية.. حتى بعد تداعيات الربيع العربي..
قد تكون سورية تحت حكم بشار الأسد هي الأقرب لكوريا الشمالية، ولكنني لا أرى فعلا أي دولة عربية قادرة على منافسة كوريا الجنوبية..
وكما قلت في بداية المقال: الأيديولوجيا تصنع الفرق.. نقلا عن الرياض