رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

التسامح.. عندما يكون عنواناً للعالم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

المأساة الإنسانية عمّقها غياب ثقافة التسامح، وضخّمها الجهل والتشبّث بقناعات مريضة ومؤدلجة، ما سبب خللاً وانقساماً في طبيعة الحياة الاجتماعية ليعكس حالة من الانفصام لتصبح حياة منفصلة عن الحياة..
تزامناً مع اليوم العالمي للتسامح، انطلقت الأسبوع الماضي القمة العالمية الأولى للتسامح في دولة الإمارات حيث تعد الأولى من نوعها والتي انعقدت تحت شعار "تحقيق المنفعة الكاملة من التنوع والتعددية مجال حيوي للابتكار والعمل المشترك"، وشارك فيها أكثر من ألف شخصية رفيعة المستوى من قادة حكومات وخبراء وأكاديميين ومتخصصين ومبعوثي المجتمع الدبلوماسي الدولي والمنظمات الدولية، وذلك ضمن برنامج يركز على تعزيز قيم التسامح والتعددية الثقافية، وقبول الآخر لبناء عالم يسوده التسامح في مجتمع متعدد الثقافات.
استضافة دولة الإمارات لهذا التجمع العالمي كانت فكرة لافتة ومناسبة فهي تجسد مفهوم القدوة والنموذج لهكذا مفهوم بدليل استضافتها الآلاف من مختلف دول وجنسيات العالم. ففي عام 2016 تم الإعلان عن وزراء للسعادة والتسامح والمستقبل للتركيز على قدرة الحكومة الإماراتية على ضمان جودة الحياة في دولة الإمارات والتي ستنعكس على جميع قطاعاتها ومستوياتها في المجتمع. وهي أيضاً تتضمن رسالة للعالم أن دول الخليج تسعى لنشر روح التسامح والسلام في كافة أرجاء العالم، كما تم إطلاق ميثاق عالمي للتسامح كمنصة يمكن من خلالها تنسيق التعاون بين دول وشعوب العالم نحو ترسيخ قيم التسامح. دعا المشاركون إلى "إنشاء تحالف للتسامح يتيح تبادل الخبرات والتجارب والوصول إلى أهداف مشتركة تعزز التناغم بين البشر" وأهمية تضافر الجهود وتوحيد الأهداف والتوصل إلى سبل مشتركة تعزز التكاتف الإنساني ومعالجة قضايا التسامح والتعصب والتمييز.
أهمية الحدث تكمن في الرغبة التي تولدت للجميع بضرورة تغيير الوضع القائم في عالمنا خصوصاً بعد مشاهد العنف والرعب والقتل التي شهدتها الكثير من دول العالم خلال السنوات الماضية. ولك أن تعود بالذاكرة قليلاً وتتأمل مشهد الخارطة العربية بل وحتى في وقتنا الحاضر حيث تجد أن الملامح ينهشها العنف ورائحة الموت والبارود ومشاهد الدماء وأشلاء الجثث. كلها صور مخزية ومؤلمة في آن واحد وترتكب باسم أسباب واهية.
كانت القمة منصة للحوار والتباحث وطرح المبادرات الرامية إلى تعزيز مفاهيم التنوع والاحترام والعمل على بناء شراكات خلاقة تستند إلى قيم التسامح، والتعددية واحترام الاختلاف، وإقامة جسور التقارب الإنساني والحضاري والثقافي. وقد حضر المناسبة نخب سعودية كان لها حضور فاعل مثل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومركز الملك عبدالله لحوار الأديان. هناك ضرورة لجهود تعزز إيمانها العميق بالتسامح وأهميته الإنسانية والحضارية، وتحويل هذه الرؤية إلى برنامج عمل وطني في عالمنا العربي من خلال إصدار قانون مكافحة التمييز والكراهية ما يعني رسالة للعالم تدعو للعمل معاً وابتكار المبادرات والأفكار المشتركة التي تعزز التسامح والتعايش الحضاري، وتخلق من التعددية الثقافية صوراً من النجاح والإنتاجية لأجل مستقبل أفضل للشعوب.
بات من الصعوبة بمكان فهم المسوغ لأفعال العنف التي تهدف إلى تشويه مبادئ الشريعة السمحة والقيم والأخلاق بل وتقف تلك الممارسات وبلا مواربة ضد إنسانية الإنسان وضد قيمة الحياة. شيء لا يمكن وصفه. الغريب في أن حال الكراهية الرخيص هو في أن تعيش كما شئت وتحرم الآخرين من العيش، وهذا سلوك دموي أناني بشع الذي لم ينتجه إلا مرضى ومنهم بعض العرب. أقول ذلك بمرارة ولكنه الواقع المر الذي يكشف الحقائق. المأساة الإنسانية عمّقها غياب ثقافة التسامح، وضخّمها الجهل والتشبث بقناعات مريضة ومؤدلجة، ما سبب خللاً وانقساماً في طبيعة الحياة الاجتماعية ليعكس حالة من الانفصام لتصبح حياة منفصلة عن الحياة، وبالتالي خالية من الذائقية وجمالياتها التي تكرس قيمة الحياة.
العالم بحاجة إلى لحظة تأمل واسترخاء، تقوم على القراءة الهادئة العميقة بطريقة موضوعية لا محاباة فيها ولا تجنٍ، لأنه من الطبيعي أن صفاء الذهن سيقودنا إلى رؤية نافذة تتسم بالبحث في العلل والحفر في التراكمات. وهذا يعني فتح النوافذ لطرد الفاسد من الهواء، ومن ثم علينا أن نحلم بعالم جديد حتى تتحقق ثقافة التسامح، وهي ما فتئت أن ترنو إلى مناخات التعايش والسلام، بدليل قرب الحضارات من بعضها البعض في العصر الحديث، ما يجعل الحوار فيما بينها أكثر إلحاحاً من أي فترة تاريخية مرت بها البشرية. وتبقى الإرادة المفتاح لصنع السعادة البشرية إن أردنا الحقيقة.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up