رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد الساعد
محمد الساعد

لا خلافة بلا حرمين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بقيت الخلافة الإسلامية مرجعية «حاكمة» لها طبيعتها وشكلها السياسي كنتيجة لظروف توسع الدولة الإسلامية وضم أقاليم متعددة ذات لغات وعادات وتفاصيل مختلفة تحتها، كما أن الشكل السياسي الإسلامي كان متنوعاً طوال تاريخه، فجاء أبوبكر الصديق كخليفة للرسول الكريم في حكم المجتمع الإسلامي، وجاء عمر بن الخطاب كأمير للمؤمنين، أيضاً من المهم الانتباه إلى أن الخلافة بمفهومها «الديني السياسي» ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة ورمزيتهما لدى المسلمين، ولذلك لم تدّع الدولة الأموية في الأندلس على سبيل المثال الخلافة، لأنها لم تكن مشرفة على الحرمين الشريفين أبداً، وفي المقابل تصارعت الدولة الإسلامية الأموية وما تلاها من حكومات على الحرمين منذ حركة عبدالله بن الزبير في مكة، ومروراً بعد ذلك بالعباسيين والفاطميين والأيوبيين.
هذا يلخص أمراً في غاية الأهمية يقول إنه لا خلافة بلا حرمين شريفين، وإن هناك أيضاً صيغاً أخرى للحكم ارتضاها المسلمون في عصور مبكرة؛ لذلك فإن الأحلام التركية القائمة على فكرة استعادة ما يسمى بالخلافة العثمانية تعلم يقيناً أن هذا الحلم بلا احتلال للحرمين الشريفين كما كان سابقاً ليس له معنى، ومن هنا تأتي المحاولات التركية للهيمنة سياسياً وشعبياً على المنطقة ليتسنى لها ذات يوم السيطرة على الحرمين.
كل ما نراه اليوم من عمل ممنهج ومخطط له يقوم على فكرة تشويه السعودية وتعكير مشاريعها سواء كان ذلك عبر الإعلام المباشر في تركيا وقطر أو عبر الإعلام الموازي الممول لديه هدف واحد فقط هو استثمار الموقف من السعودية وتطويره نحو استهداف الحرمين الشريفين، ولعلنا نتذكر الموقف السعودي الصارم الذي أكد عليه وزير الخارجية السعودي - وقتها- وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير بأن أي مساس بالحرمين هو إعلان حرب، ذلك الموقف لم يكن ردة فعل أو تصريحاً عابراً بل هو إشارة لمن يفهم بأن الألعاب السياسية التي يديرها محور «طهران - الدوحة - إسطنبول» في العالم الإسلامي تحت الإدراك السعودي ولن يتركها للمصادفات.
إذن المنطقي أن تعلن السعودية هي «الخلافة الإسلامية» وليس غيرها، باعتبارها خادمة للحرمين وملِكُها يتلقب به بل وتنازل ملوكها عن لقب «جلالة الملك» أمام هذا الشرف العظيم.
الرياض تعلم أن الدولة بمفهومها الوطني هي الشكل الذي ارتضاه العالم في هذا العصر، وأن الأحلام الرومانسية التي يسوقها الإسلام السياسي ليست سوى ستار للقفز على الحكم، وهدم الدول لصالح مشروع التتريك.
ومنذ عهد الملك عبدالعزيز آمنت الرياض بدور المؤسسات الإسلامية التي تقوم على ترسيخ العلاقات الثنائية بين الدول وتشكيل تعاون ينعكس على الشعوب الإسلامية، حين دعا الملك عبدالعزيز لمؤتمر قمة إسلامي عقد برعايته وتشريفه في وقت مبكر من تأسيس المملكة، وما تلاه من تبني المؤسسات الإسلامية المدنية في عهود الملوك السعوديين من بعده، كالبنك الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ووكالة الأنباء الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المؤسسات.
اليوم تعمل أنقرة جاهدة لاستقطاب الجماعات الإسلاموية المتطرفة في شمال سورية وحمايتها وتمكينها لخلق حالة فوضى في الهلال الشامي، وتمسك بخيوط اللعبة فيه، بالطبع لن تقوم أنقرة بإعلان حرب جهادية ضد إسرائيل، لكنها خطة بديلة أو طريق موازٍ يمكنها من التفاوض مع الإسرائيليين والأمريكان لتكون هي المشرفة على المسجد الأقصى، ولتعلن من هناك إطلاق مشروعها نحو «الخلافة».
وعلى الرغم من أن المسجد الأقصى ليس حرماً، بل مسجد كما وصفه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن الأتراك يجدون فيه حلاً بديلاً بعد فشلهم في المساس بالحرمين، ويكون منصة تنطلق منها أحلامهم نحو بناء إمبراطورية تركية جديدة تحت صبغة دينية.
نقلا عن عكاظ

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up