رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

الجزائر والسودان.. قراءة هادئة فيما جرى ويجري!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تابع صحيفة" المرصد" عبر تطبيق شامل الاخباري

https://shamel.org/panner


ما حدث في الجزائر والسودان نتيجة أسباب تراكمية؛ عوامل وأزمات سياسية واقتصادية، من تهميش للمشاركة السياسية، وبطالة، وفساد، وفقر، وضعف للموارد، والأمية، وضعف مؤسسات المجتمع المدني، ما يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمواطن..
رغم تسارع الأحداث في السودان، وحدوث مفاجآت كبيرة، إلا أن أكثر المتفائلين لم يكن ليتنبأ بما شهدناه من مواقف وقرارات وأحداث مثيرة، خاصة أن نظام البشير قوي، وليس بالسهولة أن يفرط في كرسي الحكم، فضلا - وعلى سبيل المثال - عن أن علاقته بالتيارات الإسلامية قديمة، والخرطوم كانت قبلة لكل التيارات المتطرفة في التسعينيات، وقد جاءها كارلوس وابن لادن وغيرهما من الإرهابيين. اتهم نظامه بإيصال أسلحة إيرانية إلى حماس وحزب الله في أوقات النزاع من دون التواصل مع الشرعية في لبنان أو فلسطين، فضلا عن دعم جماعات مسلحة في ليبيا. المعروف أن البشير حكم السودان من 1989 عبر انقلاب عسكري دعمه الإسلاميون، وظل يترشح للانتخابات الرئاسية منذ ذلك الحين. وتاريخيا قيل إن إيران ممن دعمه للوصول إلى السلطة عام 1989 على اعتبار أن انقلابه امتداد للثورة الإسلامية، وأنها أسعفته بالوقود آنذاك عندما كان محاصرا، ولعل تبادل الزيارات المستمرة إبان حكمه دلالة على عمق العلاقة وقوة النفوذ الإيراني.
على أي حال، قناعة بعض المثقفين العرب ترى أنه في حال اندلاع ثورة، فإنها ستقود حتما إلى حرب أهلية؛ بسبب ضعف النخب السياسية، وقلة الوعيين السياسي والثقافي، وهشاشتهما، وبطء مسار التحديث بتأثير تيار الممانعة الاجتماعية، وسيطرة العصبيات الأيديولوجية والعشائرية على الهوية الاجتماعية، وعدم وجود قاعدة مجتمعية منظمة قادرة على دفع حركة التغيير.
هذا التصور يبدو أنه ليس دقيقا؛ كوننا لم نره في احتجاجات الجزائر والسودان. كان المشهد مدهشا؛ حيث تجسد في شيء من الالتزام، وضبط النفس، والمحافظة على المكتسبات، وحفظ الأمن العام، والشعور بالمسؤولية في سلوك غير معتاد. العالم العربي ظل خارج مدار فلك التغيير، إلا أنه شهد خلال هذا العقد ما لم يشهده طيلة عقود طويلة. شرارة البوعزيزي كتبها التاريخ، وتحركت الشعوب ليتلاشى حاجز الخوف، وتأتي الانتفاضات استجابة للتحديات الداخلية من استبداد، وفساد، وفقر. ومع ذلك ليس بالضرورة أن نتفق على مصطلح موحد لما جرى من حراك شعبي عام 2011 في بعض الدول؛ لاختلاف القناعات للبعض، رغم وجود قواسم مشتركة بين المفكرين حول معنى الثورة، إلا أن ما حدث في الجزائر والسودان لا يحتاج إلى اجتهاد لغوي. وليس هذا المهم حقيقة بقدر ما أن تلك الانتفاضات شطبت حالة الانغلاق في عالمنا العربي، وأسست لمفصل تاريخي لا يمكن التراجع عنه.
ما حدث في الجزائر والسودان نتيجة أسباب تراكمية؛ عوامل وأزمات سياسية واقتصادية، من تهميش للمشاركة السياسية، وبطالة، وفساد، وفقر، وضعف للموارد، والأمية، وضعف مؤسسات المجتمع المدني، ما يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمواطن، فضلاً عن وضع دستور يحقق تطلعات الشعوب، ويعزز تماسك النسيج المجتمعي. ومع ذلك لن تجدي نفعا الحكومات التي تفشل في سياساتها العامة من ترديد المسوغات المستهلكة، وإلقاء اللائمة على مشجب المؤامرة من أطراف داخلية أو خارجية، وهو تبرير مكشوف وهزيل، بدليل عدم استقرار بلدانها. إن المسألة لا تتعلق فقط بإسقاط أنظمة مستبدة، بل إن المهم هو ما يمكن إنجازه من عملية التغيير الشعبية هذه، والثمرة التي تقطفها الشعوب، حيث التحول إلى دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان.
بعد رحيل الاستعمار الغاشم عن بعض الدول العربية، نشأت أنظمة وطنية، وأطلقت شعارات مؤثرة آنذاك؛ لارتباطها بالأرض والحرية والاستقلال، لكنها ما لبثت أن عادت إلى ممارسة القمع، بمجيء أنظمة عسكرية كرست الاستبداد والديكتاتورية. فتحول المشهد من ليبرالية مشوهة بعد الاستقلال، إلى فضاء ملوث بالعنصرية، والتمييز المذهبي والطائفي والقبلي. لم يعد للمواطنة والتسامح حيز، بل أصبحت الساحات ميداناً لاشتباكات أهلية، وتعصب، وانغلاق، وتخلف، وجهل. صحيح أن العرب كانوا قد تخلصوا من الاستعمار، إلا أنهم ارتهنوا له مرة أخرى بصيغ وأشكال مختلفة وربما أشد وطأة.
حالتا الجزائر والسودان تخبرنا أننا أمام حالة اجتماعية، أو لنقل أنثروبولوجية، وجذر مشكلتها يتعلق بأمرين: ضعف المشروع التنموي بكل تجلياته، وعدم تأسيس دولة المواطنة، وهو ما جعل هذه المشكلات تطفو على السطح، التي جاءت على هيئة مظاهرات، واصطدامات، واعتصامات، وهي متصورة أننا ارتهنا إلى الواقع.
نقلاً عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up