رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

التاريخ عندما ينتقم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أكبر نكبة حلت بلبنان في القرن العشرين هي عندما أصبح ساحة عبثية مفتوحة لبعض المنظمات الفلسطينية المنفلتة ­ أكرر (لبعض)، فعاثت فيه تدميًرا وأججت حروب الطوائف، وأعطت الفرصة لإسرائيل لأن تجتاحه مجبرة منظمة التحرير الفلسطينية أن تركب السفن وتتشتت في بقاع نائية، وتعمقت تلك النكبة عندما تلقفت سوريا الأسد تلك الكرة النارية، وفعلت فيه من العسف ما لم يفعله الأوائل واللواحق كذلك. وهو ذكرني بحادثة رواها لي أحدهم ولا أدري صدقها من كذبها، ولكن لها دلالة، وليفسرها من شاء كما يريد. وهو يقول: «إنه إبان تلك الفوضى العبثية، لاحظ أحد اللصوص أن منزلاً مغلًقا في بيروت هرب أهله للخارج للنجاة بأنفسهم، فما كان منه إلا أن يحضر شاحنة ويفرغ البيت من محتوياته، وقبل أن ينزل آخر دفعة، وإذا بلص آخر يركب الشاحنة وينطلق بها بكل ما فيها. فجن جنون اللص الأول وأخذ يضرب كًفا بكف ويصيح قائلاً: «شو ها البلد اللي ما فيها أمانة؟! ­ انتهى. إنني أكتب عن لبنان متحسًرا للمرة الثانية، لأنه نقطة ضعفي من الناحية العاطفية، وتحضرني الآن عدة أبيات من الشعر قيلت في هذه البقعة الصغيرة من الأرض التي تكالب عليها بنات آوى من كل حدب وصوب. وها هو (المتنبي) يقول فيه: وعقاب لبنان وكيف يقطعها/ وهو الشتاء، وصيفهن شتاء و(البحتري) أيًضا: تلفت من عليا دمشق ودوننا/ للبنان هضب كالغمام المعلق و(معروف الرصافي): لبنان تفعل بالحياة جنانه/ فعل الزلال بغلة الظمآن و(إيليا أبو ماضي): وطن النجوم أنا هنا/ حدق: أتذكر من أنا؟ و(رشيد الخوري): يسير معي لبنان أنى توجهت/ ركابي لو يغني الخيال عن الحس و(أحمد شوقي): لبنان والخلد اختراع الله لم/ يوسم بارزين منهما ملكوته و(بولس سلامة): جاور الأنجم واحتل السحابا/ جبل مَّهد للفردوس بابا و(بدوي الجبل): الحسن فيك وهذه آياته/ بجمال ربك أشرقت مرآته و(شفيق معلوف): ذهب الأرض يعلم الله/ ما يعدله غير تربة الأجداد و(بشارة الخوري): لبنان، كم للحسن فيك قصيدة/ نثرت مباسيمها عليها الأنجم و(علي الجارم): قالوا: هنا لبنان قلت: وهل سوى/ لبنان ملعب صبوتي ومراحي و(داود عمون): فاجعلوا في الأرز مقبرتي/ وخذوا من ثلجه كفني والآن كأني بالتاريخ يزأر وينتقم، وها هي سوريا تتجرع العلقم من نفس الكأس الذي تجرعه لبنان بفعل الأسد الأب، الذي ورث ابنه، وها هو الأسد الابن يتشبث بكرسي الحكم كالطفل الذي يتشبث بلعبته ­ ويا لها من لعبة.
نقلا عن الشرق الاوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up