رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مهنا اللحياني
مهنا اللحياني

هذيل مكة وسكانها القدامى(1)

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لقد قامت دارة الملك عبدالعزيز بزيارة معدة سلفاً إلى مكة للإجتماع مع قبيلتي قريش وهذيل الاسبوع الماضي وطلبت منهما التعاون فيما يخص التاريخ الشفوي لمكة المكرمة وتم الاجتماع بالمؤرخين والرواة والشيوخ والأعيان من القبيلتين على مدى يومين كاملين فلهم منا جزيل الشكر على ماقدموه من توثيق تاريخي وشفوي. مكة هي أطهر بقاع الأرض منذ أن بنى إبراهيم فيها القواعد من البيت وإسماعيل إلى ما قبل الإسلام وما بعده ولقدسية مكة وعظم منزلتها في العصر الجاهلي فإن صاحب الدم لا يقتل قاتل أبيه في حرم مكة لحرمة المكان عندهم وما يهمني هنا هو معرفة سكان هذه الأرض المقدسة منذ العصور الماضية والذي كانت لهم شرف سكناها وخدمة قاصديها حتى قبل ظهور الإسلام منذ جد رسولنا الثاني عمرو بن عبد مناف الذي سمي هاشم لأنه كان يهشم الثريد ويطعم قومه : عمرو الذي هشم الثريـد لقومه × قـوم بـمكـة مسنتــيـن عجــاف. سنت إليه الرحلتــان كــلاهمـا × سفر الشتـاء ورحلة الأصيـاف. وقد تولى أمور السقاية والرفادة وهو من أبرز تجار مكة، وغيره من وجهاءها وساداتها مثل عبدالله بن جدعان الذي كان يصنع الجفان من الطعام لأهل مكة وقاصيديها ذكر ابن قتيبه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد كنت استظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عميي أي وقت الظهيرة) والكتابة تطول عن كرم أهل وساكني مكة التي أصبحت بعد ذلك مهبط الوحي ومنبع الرسالة، زادها الله تشريفاً بعد ظهور الإسلام فمن هم سكانها القدامى؟؟؟ لا يخفى على من قرأ التاريخ وتمعن فيه بأن قبيلة قريش وقبيلة هذيل وقبيلة خزاعة هم سكانها الأصليون وإن كانت قبيلتا قريش وهذيل تربطهما علاقة نسب فهما يلتقيان في مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان فمدركة بن إلياس أنجب ولدين هما:هذيل وخزيمة ومن هذيل لحيان وسعد ومن خزيمة كنانة ومن كنانة قريش وهم يرون في حينه أنهم أحق بمكة وبحماية حرمها وكعبتها المشرفة ولذلك إستعادت قريش مفتاح الكعبة وأعادة سدانة البيت ورفادته من قبيلة خزاعة وضطروا خزاعة للخروج إلى مر الظهران بمعونة كنانة وهذيل، ولعلى أركز في هذا المقال على القبيلة التي هُضم حقها وهُمش تاريخها في مكة في الآونة الأخيرة وهي قبيلة هذيل المضرية العدنانية التي يكفي أن أذكر من مواقفها حادثتين فقط تدل على تحمل هذه القبيلة مالم تحتمله غيرها في الدفاع عن مكة وكعبتها المشرفة بحكم انها من ساكنيها: الحادثة الأولى: عندما قدم أبرهة الحبشي إلى هدم الكعبة فقد أشارت الأخبار إلى خروج قبيلة هذيل مع بعض القبائل العربية لملاقاة أبرهة الحبشي حين تقدم لهدم الكعبة في عام 571 ميلادي بعد أن دنس رجل من بني كنانة كنيسة القليس التي بناها ابرهة الحبشي في اليمن لتكون محجة للناس فلما قرب من مكة رمته هذيل بالسهام والنبال من الشعاب ومضايق الأودية ولكن لم يكن لهم طاقة وسعة في قتاله مباشرة ولذلك خرجت هذيل ممثلة في خويلد بن واثلة سيد قبيلة هذيل في حينه مع عبدالمطلب سيد قبيلة قريش صاحب مقولة (أنا رب الإبل وللبيت رب سيحميه) ويعمر بن نفاثة بن الديل بن بكر سيد كنانة وفاوضوا أبرهة على أن يأخذ ثلث أموال تهامة مقابل رجوعه عن هدم الكعبة ولكنه رفض فأهلكه الله بطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ، تمكن ابرهة بعدها من الهرب والرجوع إلى اليمن آخذاً معه رهائن من بني كنانة وغيرهم وفر من نجا من جيشه في ديار وجبال هذيل فتمكنت القبيلة من قتلهم وأسر الكثير منهم وكان من بين الاسرى رجل من اليمن ذو شرف ومكانة أسرته هذيل فقام معقل بن خويلد بن واثلة الهذلي بأخذ الأسرى ومساومتهم بأسرى من كنانة التي لجئت اليه تريد منه أن يفك أسراها فذهب معقل إلى اليمن وأطلق جميع أسرى كنانة وكان من ضمنهم ام عبد والدة عبدالله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة من قريش وقد نجح معقل في مهمته وعاد بالأسرى بما فيهم أسرى من أهل نجد وكان أبرهة قد عرض عليه لينكحه ويقعد عنده ولكن معقلاً رفض وله ابيات من الشعر يعتز فيها بقومه ونسبه فكان دور قبيلة هذيل دوراً إجابياً قامت بما تستطيع به لنصرة الحرم وكعبته المشرفة وقامت بالدفاع عن مكة من خلال التصدي وقتل من نجا من جيش أبرهة وأسرهم وإطلاق جميع أسرى العرب لدى الحبشة . الحادثة الثانية: القرامطة وما أدراك ما القرامطة بقيادة أبوطاهر الجنابي هاجموا الحجّاج يوم التروية في مكّة على حين غرة فقتلوا منهم جمعاً غفيراً وليس ذلك وحسب بل هجموا على أهل مكّة وعملوا منهم مذبحة مريعة وانتهكوا حرمة وقدسية المسجد الحرام يذكر أنّ أبوطاهر هاجم الحجّاج وأهل مكّة في الحرم على رأس 900 فارس بينما كان هو ثملاً ممتشقاً حسامه على ظهر حصانه الذي تبوّل قريباً من بيت الله الحرام وينقل المؤرّخون أنَّ القرامطة قتلوا ما استطاعوا من الحجّاج وأهل مكّة وهتكوا الحرمات ودنّسوا المقدّسات فقتلوا ما يقارب 1700 نفس كان معظمهم متمسّكاً بأستار الكعبة وكانت سيوف القرامطة تحصد رؤوس النّاس من الطائفين والمصلّين وحتّى الذين هربوا من بطشهم إلى الوديان والجبال فكان النّاس يصيحون عليهم: أو تقتلون ضيوف الله؟ وقد وصل عدد الذين قُتلوا في هذه الحملة الوحشية قرابة 30 ألف انسان ورمى القرامطة بجثث أكثر هؤلاء في بطن بئر زمزم ودُفن الكثير كذلك منهم دون أن يُغسلوا أو يكفّنوا وفي تلك الحالة التي كان القرامطة يُذبّحون فيها المسلمين ويعملون من جثثهم كومات متراكمة بعضها فوق بعض كان أبوطاهر ينشد البيت التالي وهو يقف بقرب الكعبة: يخلق الخلق وأفنيهم أنا × أنا بالله وبالله أنا . هذا وإضافةً إلى المقتلة العظيمة التي أحدثها القرامطة والوحشية التي اتّبعوها مع الحجّاج واستيلائهم على أموالهم وأموال أهل مكّة فقد قاموا بسرقة معظم الحلي والنفائس الموجودة في الكعبة ومن جملة ما سرقوا ستار الكعبة المشرّفة وقلعوا بابها ثمّ عمدوا إلى ميزابها لقلعه وأرسلوا واحداً منهم إلى سطح الكعبة لأجل ذلك إلاّ أنَّ المرسل لفعل ذلك سقط من على السطح وخرَّ ميّتاً في الحال . ولم يجرؤ أحد على مقاومتهم إلا قبيلة هذيل كانوا يرمون بالسهام والنبال كل من صعد لنزع وهدم الميزاب من جبل أبو قبيس وكانوا رماة بارعين فكل ما صعد يريد خلع الميزاب رموه واسقطوه ميتاً ثم إنهم لم يكتفوا بهذا بل لحقوا بالقرامطة خارج مكة وقد سرقوا الحجر الأسود بعد أن قلعوه بواسطة مقلاع أو فأس وحملوه معهم إلى البحرين فلحقت بهم وحاصرتهم قبيلة هذيل فأشرف أبو طاهر على الهلكة إلى أن دله وعدل به دليل من الطريق المعروف إلى غيره فنجا بأعجوبة من هذه القبيلة التي ابلت بلاء حسناً ولقد تميزت قبيلة هذيل بعدم مفارقتها ديارها وأراضيها وهي التي سيطرت على جميع مرتفعات مكة وضواحيها فلا تكاد تقف على جبل أو مرتفع من المرتفعات حتى تقرأ عنه: من بلاد هـذيـل ومن جبال هـذيـل ومن مواطن هـذيـل أنها القبيلة الشهيرة الوحيدة التي اختصت دون سائر القبائل بالحفاظ على نسبها صافياً خالصاً نقياً من شوائب القبائل وتمسكت ببلادها ومواطنها فلم تفارقها في القديم والحديث ولعلي أبين أماكن تواجدهم في مكة قبل العهد السعودي ودورهم في الإدارة المحلية في مكة في الجزء الثاني من المقال .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up