رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

تطوير الاقتصاد استجابة لتحولات المجتمع السعودي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

اقتضت الضرورة منذ عدة أعوام سابقة، أن يتم تحديث وتطوير مسارات الحياة كافة في بلادنا، وأن تستجيب وتتواءم مع التحولات الكبيرة التي طرأت على النسيج الاجتماعي للسكان على المستويات كافة، لعل من أهمها التغيير الكبير الذي طرأ على درجة تعليم وتأهيل أفراد المجتمع. فما كان صالحا للوجود قبل أكثر من ثلاثة عقود من تاريخ اليوم، لا يعني بالضرورة أنه ما زال يتمتع بتلك الأهلية وفق اعتبارات الحياة والمجتمع المعاصرة، والعكس أيضا صحيح؛ أن ما كان غير صالح للوجود قبل فترة من الزمن، قد تجده اليوم هو الخيار الأنسب وفقا لحاجة ومتطلبات الاقتصاد والمجتمع المستجدة، وكلا الأمرين لا بد من انسجامهما تماما مع ثوابت الدين والحضارة والأعراف المجتمعية لهذه البلاد. إن الطريق الذي تزمع بلادنا خوض تحدياته خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، بكل تحدياته وفرصه أمر لا مفر منه، وهو الخيار الاستراتيجي الواجب الإقدام على مواجهته بكل ما لدينا من إمكانات متوافرة، وهو الخيار الذي إن تأخرنا عنه، فلا شك أن البديل سيكون هو إقبال تحديات المستقبل إليك لتواجهك في عقر دارك، وحينها لا يعلم هل ستكون لديك القدرة على مواجهته أم ستفشل! لقد خضع المجتمع السعودي طوال خمسة عقود مضت لتحولات تنموية هائلة، وانتقل من مجتمع كان يغلب عليه انخفاض مستوى التعليم والاستقرار الحضري وعديد من المؤشرات التنموية الأخرى، إلى مجتمع مختلف تماما عن ذلك المجتمع السابق العهد! فهو اليوم وفقا لمؤشرات التعليم في نهاية 2015، أصبح حملة الشهادات الجامعية فأكثر يشكلون نحو 19.1 في المائة من إجمالي السكان من سن 15 فأكثر، مقابل نسبة لم تكن تتجاوز 3.8 في المائة بنهاية 1992، كما انخفضت نسبة الأمية والقادرين على القراءة والكتابة فقط من 47.1 في المائة في عام 1992 إلى ما دون 11.1 في المائة بنهاية 2015، وفي ضوء تلك الوتيرة من التحولات المجتمعية التي يخوضها مجتمعنا؛ يقدر أن ترتفع نسبة حملة الشهادات الجامعية إلى 54.8 في المائة بحلول 2025، وأن تنخفض نسبة الأمية والقادرين على القراءة والكتابة فقط لما دون 0.9 في المائة. تمثل تلك التحولات الحضارية المهمة ثقلا مهما جدا في صلب بناء وتصميم أي سياسات وبرامج للتنمية المستدامة، ومنها يفترض أن تنطلق أية سياسات يراد لها أن تحكم وتنظم المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، مستهدفة استثمار تلك الطاقات البشرية، وعلى وجه الخصوص الشرائح الشابة منها، وفي الوقت ذاته للتعامل مع التحديات المتوقع نشوئها عبر الحقب الزمنية الراهنة والمستقبلية. قد يكون هذا حديثا فضفاضا بصيغته تلك، إلا أنه بالنظر إلى حقائق الفرص والتحديات القائمة والمحتملة مستقبلا، مع تحديدها وتفنيدها كما سبق أن تطرق إليه الكاتب في أغلب المقالات السابقة، سيصبح الحديث عن كل ما تقدم أكثر وضوحا وتحديدا بالنسبة للقارئ الكريم. إن ارتفاع مستوى التعليم بين شرائح المجتمع، يتطلب في أحد أهم جوانبه أن يتم إيجاد فرص عمل أكثر وأعلى على مستوى التأهيل والدخل، فحينما تكتشف أن نسبة العاطلين من حملة الشهادات الجامعية فأكثر يشكلون في الوقت الراهن نحو 57.0 في المائة من إجمالي العاطلين عن العمل، الذين كانوا لا يتجاوزون نصف هذه النسبة قبل نحو عشرة أعوام، فهذا يعني أن فرص العمل التي يتم إيجادها في بيئة سوق العمل المحلية أدنى بكثير من المأمول! حتى إن حدث نمو مطرد في تلك الفرص خلال الفترة الأخيرة، وستعد معضلة تنموية بالغة التعقيد أن تشهد الأعوام المقبلة ارتفاعا في هذه النسبة للعاطلين بين حملة الشهادات الجامعية فأكثر، وهو ما نلمسه اليوم وفقا لما تحتويه أرحام الجامعات المحلية مضافا إليه أعداد المبتعثين في الوقت الراهن، الذين تتجاوز أعدادهم في الوقت الراهن سقف الـ 1.5 مليون طالب وطالبة! إنه تحد كبير جدا تشكل نحو ستة أعشار العاطلين من أصحاب الشهادات الجامعية فأعلى، ومؤداه أن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع هذا الرقم من طلبة وطالبات التعليم الجامعي ستتراكم أفواجهم على أبواب سوق العمل في منظور الثلاثة إلى الخمسة أعوام المقبلة، دع عنك حملة الشهادة الثانوية ودبلوم ما دون الجامعة، الذين يعادلون تقريبا هذا العدد، بمعنى أن الاقتصاد الوطني مقبل على تحد جسيم جدا يتطلب منه أن يوجد ما لا يقل عن 3.0 ملايين فرصة عمل جديدة في منظور الخمسة إلى السبعة أعوام المقبلة! وما يزيد من تعقيد هذا التحدي؛ أن سياسة إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة لن تفي بأكثر من 10 في المائة من تلك الوظائف المطلوب إيجادها، ذلك أن أكثر من 92 في المائة من الوظائف الراهنة في سوق العمل المحلية التي تشغلها العمالة الوافدة، لا تتجاوز مؤهلات شاغليها أكثر من الشهادة المتوسطة فما دون! الخطوة الأولى لاجتياز هذا التحدي التنموي وما يليه من تحديات جسيمة، تبدأ من سوق العمل، وضرورة أن تتوافر الوظائف الإنتاجية اللازمة لخدمة الاقتصاد، وأن تمتاز بمستويات دخل جاذبة وجيدة وكافية، وما ذاك إلا للمساعدة في تجاوز بقية التحديات التنموية التالية من تحسين للدخل، واستعداد أمثل لتأسيس الأسرة والاستقرار، والحصول على المسكن المناسب، والإسهام عموما في عجلة التنمية المحلية بدرجة تخدم الوطن واقتصاده الحيوي. ولا يقف التحدي التنموي هنا عند هذا الحد؛ إذ إنه يأتي مضافا إلى ما هو قائم في الوقت الراهن من رصيد متراكم على هذا المستوى، ممثلا في رصيد العاطلين عن العمل منذ الأعوام الأخيرة، الذين تجاوزت أعدادهم حتى نهاية العام الماضي سقف 680.2 ألف عاطل وعاطلة، يشكل حملة الشهادات الجامعية فأكثر منهم نحو 57.0 في المائة من الإجمالي، وهذا الرقم هو الأدنى بين عديد من الأرقام التقديرية سواء الصادر عن صندوق الموارد البشرية أو وزارة الخدمة المدنية، ورغم كل ذلك فرصيد من العاطلين بهذا الحجم، وأمام ما نراه محتملا من التحديات المماثلة له في منظور الخمسة أو العشرة أعوام المقبلة، لا شك أنه سيزيد من حجم التحديات التنموية، وأنه يتطلب جهودا مضاعفة بكثير من قبل الأجهزة الحكومية وما يشاركها من كيانات القطاع الخاص، لأجل التغلب على تلك الاحتمالات القريبة الزمن. إن مسارات المستقبل تتطلب بكل ما تتضمنه من تحديات وفرص لا حصر لها، وبناء على ما أصبح عليه تشخيص واقع اقتصادنا ومجتمعنا، تفرض كلها كمعطيات لا مجال للهروب من مواجهتها؛ أن نستحث الهمم وتوظيف الموارد والقدرات لأجل خوض ذلك الطريق على أعلى قدر من الشجاعة والمبادرة، وهو بمشيئة الله ما سيتم تسليط المزيد من الضوء عليه مستقبلا. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up