رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

الصحوة والمجتمع.... الإشكالية ليست في الاعتذار!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

فجر عائض القرني قنبلة من العيار الثقيل حينما اعتذر للشعب السعودي عما اقترفته الصحوة في حق المجتمع معترفا بالأخطاء التي اُرتكبت وهي شجاعة وبادرة جريئة لافتة تحسب له بغض النظر عن أي شيء اخر. الأمير خالد الفيصل كان من أوائل من حذروا من خطورة هذا الفكر فقبل أكثر من عقدين حذر من التطرف الديني في زمن الصحوة. الأمير لم يكن يتحدث من فراغ فالأمر جلل بكل تأكيد ولم يكن بعيدا عن الساحة وهو المثقف الفطن لاسيما وان منطقة ابها كالقصيم آنذاك كانتا معقلا لإنتاج هذا الخطاب المتشدد من خلال رموز وقيادات صحوية استغلت البيئة المحافظة لزرع ايديولوجيتها.
كان الأمير مستوعبا لمكنون الخطاب ومدركا لأبعاده ومستشرفا لمآلاته المستقبلية. حديث الأمير لم يستوعبه الكثيرون رغم أهميته كون الغالبية كانت مدجنة وغير مدركة لما يُخطط لها، غير ان الأمير المخضرم بألمعيته وحدسه استطاع فضح مخططاتهم وكشف اجندتهم مفندا رؤيتهم بطرح موضوعي وعقلاني كان للوسطية والوطنية النصيب الأكبر فيه.
وتمضي الأيام ليأتي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عراب السعودية الجديدة ليؤكد بشفافية خطورة مشروع الصحوة مؤكدا ان المملكة لم تكن كذلك قبل 1979. يقول "نحن فقط نريد العودة لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة سوف ندمرهم اليوم بإذن الله."
يواجه تيار الصحوة اليوم هجوما شعبيا وجردا لحساباته في بلادي والى أي مدى ساهمت في تعطيل المسار التنموي وطمس الوعي الاجتماعي واعاقة كل تحول إيجابي. جاء اعتراف القرني ليخلق جدلا في المملكة ما بين مؤيد ومعارض وفئة ترى ان الاعتذار ليس كافيا واخرون طالبوا بقية الرموز بحذو ما قام به القرني. الرجل كان يمثل أحد الرموز المؤثرة للحركة آنذاك وتمثل السرورية لب فكرها (خليط ما بين النهج السلفي مع الحركي الإخواني) ولعبوا رموزها وقتها دورا معارضا للدولة وسلوكا متشددا ومتزمتا تجاه المجتمع في الثمانينات ومارسوا التصعيد مرورا بمذكرة النصيحة ومن ثم موقفهم الشهير اثناء حرب الخليج حتى حدوث المواجهة معهم بعد تحريضهم لأعمال العنف في احداث بريدة 1994. بعد خروجهم من السجن في نهاية التسعينات لم يتوقفوا عن المشاكسة والمماحكة لتاتي احداث 11 سبتمبر والذين تعاطفوا مع مرتكبيها وشهدت خطابا تحريضيا غير مسبوق لتكريس الكراهية والصدام العنفي مع الاخر. كثير من معتنقي التيار الصحوي انخرطوا في الجماعات المتطرفة وكان محفزهم في هذا المسار خطاب رموز الصحوة الذين ظلوا يدفعونهم للذهاب الى المناطق الملتهبة مباركين عملياتهم الإرهابية.
الصحوة لم تكن جماعة دعوية بل كيان ثوري وسياسي خفي بدليل أدبياتها وخطاباتها المطروحة في تلك الفترة فضلا عن الطموح السياسي الذي اتسق مع المشروع الاخواني العابر للقارات. أحد الأساليب الذكية للهيمنة على المجتمع كانت توظيف الدين واستغلاله للسيطرة والوصاية على المجتمع وبالتالي فرض فكرها وبرامجها ومشاريعها فكان ثمة استسلام مجتمعي منذ الثمانينات.
نحو أربعين عاما ومجتمعنا ظل تحت هيمنة الصحوة ونفوذها في اغلب مؤسسات الدولة واشتغلت على وضع برامجها بعدما شكلت البئية الحاضنة لها. تلاشت الفنون والآداب ووسائل الترفيه وتم التضييق على المرأة وضُخ المجتمع بجرعات وعظية لدفع المجتمع نحو القطيعة مع قيمة الحياة واقحامه في عزلة لا ترى الا الظلام والموت والتحريم. ذهب الاف الشباب ضحية مشاريع تدميرية في بلدان عدة والنتيجة الأمهات الثكلى والارامل والأطفال اليتامى. الاباحة كانت هي الاستثناء والتحريم بات هو الأصل وظل خطاب الصحوة بشموليته هو المهيمن والاداة التي يستخدمها أيا من كان لقمع من يريد اسكاته او يخالفه الراي. أصبح من ينتمون لهذا التيار فكرا لهم الصدارة والحظوة والمكانة الاجتماعية في حين من لا يساير فكرهم واساليبهم واشكالهم يُصنف زنديقا او فاسقا فلا قيمة له بل يتم التشكيك في عقيدته واخلاقه.
المسألة ليست في كون اعتذار الصحوة كافيا ام لا رغم أهمية ذلك بقدر ما ان المهم هو ان يدرك ويستوعب الجيل الحالي فداحة ما حدث في العقود الماضية وان يكون يقظا ونابها حتى لا يتكرر خطف المجتمع مرة أخرى.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up