رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

النّت وحّد بيننا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ولكنه توحيدٌ بالمرّة معيبٌ، ذلك أنه قَولبنا حتى بتنا نسخاً مكررة نمشي على الأرض بأكثر من رِجل، فيما لا نملك غير «عقلٍ واحدٍ»يشكو عرَجَاً بسببٍ من الضّمور الدّاء الذي أوهنَ الأمم المتخلّفة مِن قَبلِنا.! على أية حالٍ.. فإنّه ما مِن جديد حين القول: إنّنا «نسخ مكررة» يُشبه بعضُنا بعضاً حدّ التماهي، إذ ما من جديد يُمكن أن يكون فيما بيننا ذلك أنّ الغلبةَ لذهنيّة «القص واللزق» وهي الذهنيّة التي تجعل من «الحمقى» همُ الروّاد لمجتمعٍ أساتذته وشيوخه «قصّاصون» لُزّاق» إذ إنّ مَن ينسخ أولاً ويبادر باللصق تالياً سيكون في «مجتمعنا» موّجهاً ومُرشداً إلى حيث ألقت أم عمرو!! حتى في باب الترفية – قبل أن يكون له هيئة – ألفينا أنفسنا نضحك بالطريقة نفسها ولذات النكتة ولا أُجافي الحقيقة حين الزعم بأنّ عدد أحرف «القهقهة» (ههههه) واحدة لا يختلف فيها ذكرُنا عن أُنثانا إلا بتلطيخ الروج على شفاهٍ (منفشّه)!! – النّتُ – وبتوفقٍ قد ألغى الاندهاش، وصاغنا على نمط واحدٍ «بلاستيكي» الصّنعةِ على نحو الدّمى إذ تحسبُنا نُفكر بأمرٍ ذي بال وإذ بنا نتناول الأمر بشيءٍ كبيرٍ من تسطّحٍ بيّن ثم لا تلبث أن تقبض علينا متلبّسين بذات الطريقة التي كّنا عليها قبلاً، وبرهانُ ذلك أنّنا «كلّنا» نتوصل جميعاً لنفس النتيجة التي كان من شأنها أن ترجعنا القهقرى إلى المربع الأول نفسه..! لقد أفلح «النتُّ» يوم أن قضى على جماليات اختلاف التنوع، ووكّد فينا رؤية واحدة موغلة في الضيق – والتّبرم من الآخر – وما أحسب أنّ واحداً فينا إلا وهو يُطل راغماً على الرؤية نفسها ثقب الزاوية التي نُطلّ منها كلّنا.. وويلٌ ثم ويلٌ لِمن حدّث نفسه – مجرد تحديثٍ – أن يُحدِثَ ثقباً جديداً في جدارنا الصّلد.! أستطيع القول: حتى «ذكر الله تعالى تسبيحاً وتحميداً» بفضل «ابن النت تويتر» صارت صيغة واحدة مع أن الشريعة جاءت بما صحّ بأكثر من صيغة غير أنّ مختارات «فضيلته» مع ضعفٍ في بعضها صارت هي المفضلة!! فيما الدعاء ماضٍ بهذا الاتجاه فلا «يُفتح» على أحدنا ذات تجلّ بمعانٍ من الحمد أو الدعاء ما يُعد حالاتٍ إيمانية خاصة إلا ورأيتها تُتناقل على غير هدىً ما يُفقدها الإخلاص وينزع عنها روحها.! وفي باب «السياسة» بتنا ذات «دمغةٍ» واحدة لأول من يبثُّ فينا فهمه لقضيةٍ «ما» وإن كانت محض اجتهادٍ تكتنفها سرعة التعجل فتصيبها بالخطل.. المهم أنّه لا يمضي علينا غير قليلٍ حتى يشيع فينا تالياً ذلك الفهم «الأُحادي» ليُصبح يقينا لا محيد عن التفكير فيما سواه! سأمضي إلى ما هو أبعد من ذلك فأقول: لم تعد ثمّة خصوصية فيما بينك وبين «زوجك» فأنت رهن العبارات التي يقولها «زوجٌ آخر» لـ «زوجته» في مكانٍ آخر وما في الأمر من عجبٍ ذلك أنّ نفس العبارات وبكلّ حميميّتها يُعاد استنساخها ثانيةً وبطريقة باردة ومن الغد: كلنا وبنفس الأداء «المثلج» نخاطب أهلنا – وخاصتنا – بالعبارات عينها التي سرقها الأولُ فينا – إذ انتزعها من حوارٍ في روايةٍ – أراد بطل الرواية أن يتصالح بها مع زوجتها «رومانسياً»!! هي المشاعر إذن قد اجتلبناها لا من دواخلنا صنعناها وإنما وهبنا إياها النت – عبر وسائل التواصل – وغدونا أبناءً لرجل واحدٍ نتلقى عنه ما سنمارسه في غدنا على نحوٍ تشعر معه أننا أدوات تسجيل وبعبارةٍ أشد دقة في التوصيف «ببغاوات» يجمعنا قفص كبير! كم هي مملةٌ هذه الوضعية «المتماثلة» حين تشابهت حركاتنا خطوةً خطوة وبأداءٍ آليّ بائس مثل أي مجموعةٍ تصطف في طابورٍ «صباحي» تحاكي حركات «قائد الطابور» استعد استرح للأمام در!! وأختم بما لا يقل ألماً عن سابقه فأقول: ومن كان فينا «استثنائاً» ووجد من نفسه جهداً قرائياً يُمكن أن ينفكّ به عن قولبتنا «الببغائية» وراح تالياً ليقتني»الكتب» في مشروعٍ قرائيٍّ ناجزٍ ومثمر فإنّه هو الآخر لا يكاد أن يسلم من مغبّة «الوصاية النتيّة» ذلك أنّه استأنف مشروعه القرائي بذات الكتب التي أتته تباعاً بتوصياتٍ متوالية – عبر النت – كل حزبٍ لديه قوائمه الخاصة وهم بها فرحون.! إذا ما أردت أن تعرف مقدمة الفشل في أي أمة فيمكنك أن تستدّل عليها بالتالي: إن كانت تطرب لشيءٍ واحد وتشرب شيئاً واحداً وتأكل من نفس المائدة «البايتة» بنكهةٍ واحدة وبمذاق واحد وتقرأ لكاتب واحد وتُصدّر شخصاً واحدا «تقديساً» وتشكر الآخرين بذات العبارات «الواحدة» و.. و.. فاعلم حينئذ أنك قبالة أمةٍ لا يمكن أن تكون في العالمين شيئاً مذكوراً! أخيراً: نحن أعجز من أن نصنع «النت وسواها» غير أنّ الأشد وجعاً أنّنا نثبت عجزاً مضاعفاً في القدرة على حسن استعماله وإيجادة استثماره في أنمائنا.!! وكلُّ قرينٍ إلى شكلِه كأُنسِ الخنافسِ بالعقرَبِ
نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up