رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

سياسة وعناد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هناك فرق كبير بين السياسة والعناد.. فـالسياسة حكمة وذكاء وقدرة على الإدارة وإرضاء لكافة الأطراف.. أما العـناد فطبع بشري وفعـل تلقائي وتقديم المصلحة الفردية على العامة (بطريقة أنا ومن بعدي الطوفان).. ولكن؛ ما العلاقة بين السياسة والعناد في هذا المقال؟ أعتقد شخصيا أنهما الوجـه الشخصي لأنظمة الخير والشر في العالم.. أعـتقد أنهما حالتان تشكلان الفرق بين الحكيم والطاغية، بين أنظمة إنسانية عاقـلة تملك تشريعات سياسية واضحة، وأنظمة فردية تـعاند وتعارض كل ما يخالف وجهة نظر الزعيم (وخذ كمثال زعيمي سورية وكوريا الشمالية).. دعونا نتفق أولا على المعنى اللغوي والشرعي للسياسة.. فكلمة سياسي تعني تولي أمر الشيئ وإدارته بما يصلح أمره.. وتتضمن كلمة "سياسة" اشتقاقات كثيرة مثل ساس وسست وسوس وسائس.. وجاء في لسان العرب 'السوس هو الرياسة، وسُوس أمر القوم أي تولي أمرهم، وساس الأمر أي قام به".. والسياسة هي فعل السائس بحيث يقال "يسوس فلان الدواب" و"يسوس الوالي رعيته" إذا تولى أمرهم وقام به خير قيام.. والسياسة في تعريفها الشرعي لا تبتعد كثيرا عن معناها اللغوي حيث جاء في الحديث الشريف "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي.." وتعني القيام على شأن الرعية من توجيه وخدمة وعـدل ومـنع، ووضع ترتيبات عيشهم وحماية الضعيف ومنع ظلم القوي.. وكل هذه المطالب يمكن أن تـتم من خلال سلطان عاقل ورحيم (خصوصا في العصور القديمة) أو من خلال أنظمة انتخابية أو مؤسسات ديمقراطية كما في الدول المتقدمة هذه الأيام. أما العـناد فحالة صبيانية لا تظهر إلا في أشباه الدول حيث الرأي الوحيد حكرا على من يحتكر الكرسي.. ورغم أن العناد حالة فردية (يفترض ألا تضر غير صاحبها) تصبح كارثة وطنية حين تتلبس طاغية يملك زمام الأمور.. خذ كمثال الحرب العراقية - الإيرانية (ورفض الخميني من جهة وصدام من جهة) مقترحات السلام الدولية حتى خسر الطرفان أربعة ملايين قتيل؛ قبل أن يقبلا بالعودة لحدودهما الأولى.. وحين احتل الأخير الكويت منحته قوات التحالف مهلة أسبوعين للانسحاب وإعادتها لأصحابها (وتخيل نتائج قبوله لذلك) ولكنه عاند وكابر فكانت النتيجة حربا دمرت العراق وحصارا أعاده خمسة وعشرين عاما في سلم التنمية؛ ناهيك عن التفكك والفتن الطائفية التي يعاني منها حتى الآن.. إذاً العـناد السياسي هـو من يسقط الطغاة ويدمر الدول.. العناد هو من أسقط شاه إيران الذي استهان بتضخم تـيار الملالي حتى حاصروا قصره ولم يقبل حتى النظر إليهم من نافذته.. العـناد هو من أسقط القذافي وصدام حسين وزين العابدين ــ وكافة زعماء الدول في الخريف العربي ــ كونهم تجاهلوا مطالب شعوبهم طويلا وحاولوا التشبث بالكرسي لفترة أطول.. العناد هو من دمر سورية لأن بشار الأسد (لو لم يعاند ويأخذ المسألة كتحد شخصي) لـتنازل عن الحكم مبكرا وأنقذ شعبه وبلاده من التفكك والحروب الطائفية.. يقول ابن كثير في كتاب البداية والنهاية: "حين أحاطت جيوش العباسيين بآخر خلفاء بني أمية (مروان بن محمد) طلب مشورة من حوله فلم يتحدث سوى خادمه الذي قال: يا أمير المؤمنين من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والمستور حتى يظهر، وأجـل أمر اليوم إلى الغد حل به هذا وأكثر..." .. السياسة؛ هي ما نطق بها الخادم، والعناد هو الثمرة التي جناها الأمويـون في آخر أيامهم...
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up