رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

الدكتورة بائعة «اللقيمات»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لم يدُر بخلد الطبيب مارك غيبهارت بمستشفى بوسطن للأطفال في أميركا، أن إنقاذ طفلة سعودية بعد أن قرر الأطباء بتر قدمها قبل 28 عاماً، سوف يلهم والدها بإنشاء مستشفى، وإطلاق اسمه على أحد أقسامه، وإبقاء العلاقة وطيدة بينهما إلى درجة أن العائلة بكاملها سافرت إلى أميركا لحضور تقاعده، عرفاناً منها بالجميل. وحادثة أخرى لا تقل روعتها عن هذه الحادثة، حصلت في السودان الشقيق. ففي إحدى المدارس كانت هناك فتاة صغيرة وفقيرة ويتيمة، كانت تقبع كل يوم على الرصيف أمام النافذة المفتوحة لأحد الفصول الابتدائية، وتبيع «اللقيمات» للمارة لمساعدة أسرتها. وسمعت الأستاذ يوماً يوجه سؤالاً للتلميذات، عجزن جميعهن عن الإجابة عنه، وإذا به يسمع صوتها يأتيه من خلف النافذة ليعطيها الفرصة للإجابة، فسمح لها، وإذا بإجابتها صحيحة. ومن يومها راهن عليها، إلى درجة أنه أقنع المدير بإلحاقها بالصف الثالث كمستمعة، واتصل بوالدتها واشترى لهم عربة ماء يقودها حمار ليستعملها أحد إخوانها، ليصرف من دخلها على الأسرة، لكي تتفرغ تلك البنت الذكية للتعليم. وسارت على ذلك النهج، ومن سنة إلى أخرى كانت تحصل دائماً على المرتبة الأولى، وكان الأستاذ يحفزها ويرعاها، غير أن ظروفه استدعته لترك المدرسة، والذهاب للعمل في الخارج. وبعد غياب اثني عشر عاماً، عاد الأستاذ إلى السودان، وكان لديه زميل بجامعة الخرطوم في كلية الطب، وطلب زميله منه أن يرافقه للجامعة، وأثناء دخوله مكث في الكافتيريا، فإذا بفتاة على قدر من الجمال تحدق فيه بشوق، وهو لم يعلم لماذا! فسأل ابن صاحبه إن كان يعرف هذه الفتاة، فأجابه: «نعم، إنها معيدة تدرس لطلاب كلية الطب»، ثم سأل الطالب الأستاذ: «هل تعرفها؟»، فقال: «لا، ولكن نظراتها لي غريبة». وفجأة ومن دون مقدمات جرت الفتاة نحوه واحتضنته، وظن الجميع أنه والدها، وأجهشت هي بالبكاء، وبعد أن هدأت وتمالكت أعصابها نظرت إليه وقالت له: «ألا تذكرني يا أستاذي؟ أنا البنت التي كنت أنت السبب في دخولها المدرسة. أنا ابنتك فلانة (بائعة اللقيمات)»، ودعته والذين معه ومجموعة من الزملاء إلى منزلها، وأخبرت أمها وإخوتها بالأستاذ الإنسان الذي وقف معهم، وكان سبباً في تغيير مجرى حياتهم، واحتفلت به الأسرة احتفالاً كبيراً، وأطعموه «لقيمات». وألقى الأستاذ كلمة قال فيها: «لأول مرة أحس بأني معلم وإنسان». صدق من قال: مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up