رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

الدنيا مسرح كبير

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قرأت قبل عشر سنوات أو أكثر عبارة لكاتب اميركي في جريدة عربية مازالت تترسخ في وعيي وتشكل دستورا عند كل مرة أقرأ كلاما في الإنترنت. يقول الأميركي أظنه فريدمان (الانترنت بالوعة تستوعب كل شيء). توسعت الإنترنت اليوم بما نعرفه بالتواصل الاجتماعي. أصبحت قوة إعلامية تتغلغل في ساعات وعينا وتؤثر في دقائق حياتنا. لأنك تتغير ببطء مخاتل لا تحس بالتغير. لاحظ أنك اليوم جسدا وثقافة ووعيا غيرك قبل خمس سنوات. هذا ما يفعله الزمن بموجوداته وهذا ما تفعله الإنترنت بوعي الإنسان. ما كنت ترفضه قبل خمس سنوات أصبحت اليوم تقبله أو تقبل الحديث عنه وبدأ وعيك بالتشكيك فيما كنت تعتقد أنه من القطعيات فيما مضى. المسألة مسألة وقت حتى نستيقظ على حقيقة أخرى. لكن القضية ليست في التغير بل في الإحساس بهذا التغير. عندما تعيش الشيء وتتفاعل معه ويعيشه معك الآخرون لا تحس أن هذا الشيء حدث فضلا أن تعتبره خطأ. تذكر أن التغير قبل أن يحدث في القيم يحدث في معاييرك التي تتطور لتتسامح مع هذا التغير. لتجرب تغير المعايير لاحظ نفسك في السفر. ما تؤمن أنه خطأ في مدينتك تتكيف معه في المدن الأخرى وتتسامح. لا أحد في الدنيا يستطيع أن يوقف تدفق الزمن. الفرق بين ما يجري في الماضي من تغير مقارنة مع ما يجري من تغير الآن يكمن في السرعة والعولمة المتكاثفة فقط. أتذكر قبل سنوات كنا نطرب لعبارة تقول (العالم أصبح قرية صغيرة). نسيت من محدثها من المفكرين الغربيين ولكنها كانت كلمة أثيرة بالنسبة لنا ككتاب وصحفيين في المملكة. ولأن الوضع في ذلك الزمن لا ينطوي على تهديد مباشر وكل شيء كان تحت السيطرة مضافا إلى ذلك أن هذه العبارة لا يرددها سوى حفنة من الحداثيين لم يأخذها أحد بجدية، من حسن الحظ أن أحدا لم يأخذها بجدية. كنا سنحصل على تباطؤ وتعطيل وقرارات سنتخلى عنها خجلين وجروح عاطفية لا مبرر لها. إهمالنا لتلك العبارة لم يأت من إهمال وعدم إحساس بالواجب وإنما لأننا لسنا شركاء في الإنتاج المعرفي والتقني فلم يكن امامنا من سبيل إلا الإهمال والانتظار. الآن أصبحت القرية واقعا. التفحيط على سبيل المثال الذي هو المنتج الوطني الوحيد أصبح تحت أنظار معجبين في كل أنحاء العالم. الأغنية التي تطلق في كوريا تسمعها في قرية في ساحل العاج. تحويل العالم إلى قرية لم يأت بقرار من أحد، ولا ينطوي على أي شكل من اشكال المؤامرة. هذه هي الحياة. من لا يعجبه هذا الوضع فسوف يخسر ساعات من حياته ومن سعادته في التذمر المجاني. حتى الأميركان يشعرون بالحزن والألم من هذا التغير الرهيب في القيم وفي جوهر الحياة. إذا أردنا التخفيف من المصيبة إذا جاز أن نسميها مصيبة يتوجب علينا أن ندرك أن القيمة التي لا تدافع عن نفسها يجب التخلي عنها. هذه قيمة مهمة يجب إضافتها إلى قيمنا الأساسية. لا داعي للدخول في معارك خاسرة. لكن علينا أن نعرف أن القيم العليا المشتركة لن يزيلها الخلط العالمي المسمى العولمة بل سيزيدها رسوخا، لا أظن أن أحدا سيأتي يوما ويقر السرقة على سبيل المثال. إذاً هذه القيمة الإنسانية العليا سوف تصمد وهكذا مع بقية القيم الأخرى العظيمة وعلى رأسها الإيمان. اللهم أعطنا مزيدا من العيش في هذه الدنيا لنستمتع بمشاهدة مسرحية الحياة فالدنيا مسرح كبير كما كان يردد المسرحي المصري يوسف وهبي.
نقلا عن الرياض

arrow up