رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

أفول عصر الخادمات

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في نطاق الحارة التي عشت فيها والعائلات التي أعرفها لم أشاهد خادمة منزلية إلا في منتصف الثمانينات. مع نهاية الثمانينيات أصبحت الخادمة شرطاً أساسياً لقيام البيت في المملكة. بصراحة البيت الذي عرفنا فيه الخادمة لأول مرة كان أكبر من أن تتعهده امرأة واحدة. مشكلة نشأت مع قوانين وأنظمة البناء التي حددت مساحات الفلل بخمس مئة متر أو أكثر. في تلك الفترة أو في الفترة التي سبقتها لم يكن الناس جاهزين للانتقال من بيوت الطين إلى الشقق. ليسوا جاهزين للانتقال من الهواء الطلق والأجواء المفتوحة والخصوصية إلى عالم الشقق المغلق والمزدحم. طبعاً لم تأت هذه السعة التي فرضتها البلدية من خلال دراسات للمزاج العام والعادات والرغبات بل تصادف أن التقت مجموعة من المصالح ليصبح أصغر بيت في الرياض خمس مئة متر. أسهم تجار العقار بالدور الأكبر في هذا التوجه مصحوباً بتزايد حجم (الفشخرة) التي استحوذت على الناس بعد طفرة النفط في منتصف السبعينات وتفشي ظاهرة التمشيخ. كان لقب شيخ محصوراً في فئات من المجتمع محددة كالفقيه وإمام المسجد وشيخ القبيلة (قبل أن تنفجر وظيفة الداعية). دفعت الطفرة الأولى كل من كسب له قرشين أن يضع امام اسمه لقب الشيخ. يعلم من عاش السبعينات الفرق بين المطبخ التقليدي في بيت الطين القديم وبين المطبخ الذي ظهر مع الطفرة. المطبخ القديم كان اسمه الموقد. اسم على مسمى. ليس له من مهمة سوى شب النار والطبخ. لم يكن يتوفر إلا على عدد بسيط من الأواني. قدر أو قدران وثلاث تباسي وكم غضارة وعدد محدود من صحون وسكين الخ. مطبخ من السهل جدا السيطرة عليه وإحكام نظافته وترتيبه. نفس المرأة أو ابنتها التي كانت تقوم بهذا المطبخ انتقلت فجأة إلى المطبخ الذي نعرفه اليوم. أمام ضغط تدفق براميل النفط تراجع حضور المواعين التقليدية من غضار وقدور ودلال وأباريق إلخ في الأسواق إلى أنواع من الأواني اللامعة والجميلة التي لا يباع معظمها إلا بالطقم. كمية الأواني في دولاب مطبخ أمك اليوم أضعاف عدد مواعين بيوت حارة كاملة في الرياض القديمة. إذا تركنا المطبخ سنجد أن المجلس التقليدي الذي كان يكتفي بزولية وثلاثة مراكي أصبح كنبات وطاولات وزاولي وموكيتات ولوحات وفيزات الخ. ثم أتت تلك الأشياء التي تراها الآن في بيتكم. تلفزيونات وبرادات ومكيفات وطاولات طعام الخ، ومع انقضاض هذه الزحمة المادية لم يكن الناس أصلاً في ذلك الزمن (وربما حتى الآن) قادرين على إدارة شؤونهم الشخصية. ترتيب ملابسهم وتفريش أسنانهم ووضع الأدوات الشخصية في أماكنها وتنظيف حماماتهم الشخصية الخ. لم يعد أمام البيت السعودي من حل سوى طلب النجدة من الدول الفقيرة لإعانته على إدارة بيته وتلبية حاجاته الاستعراضية والتفاخرية. أصبحت الخادمة في البيت لا تقل ضرورة عن الماء والهواء وبعضها تضاعفت حاجتها إلى خادمتين بل ان بعض البيوت تفاقمت فيها الحاجة إلى أن أصبح عدد الخدم فيها أكثر من عدد أصحاب البيت. يبدو أن هذا الأمر بدأ يتصادم مع الواقع. برزت تحديات أكبر من أن تستوعبها التفاخرات القديمة. سحب الأوهام التي طال أمدها آخذة في التبعثر.
نقلا عن الرياض

arrow up