رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

الصحافة السعودية الورقية .. والتوجه الإصلاحي !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قد لا نحتاج إلي تأكيد أهمية الدور السياسي والثقافي والإعلامي والاجتماعي الذي تلعبه الصحافة في أي مجتمع معاصر ، فقد تأكد هذا الدور الحيوي الذي تلعبه علي كافة المستويات ، سوي باعتباره مرآة تعكس دوافع المجتمع في كافة جوانبه ، أو باعتبارها احد اقوي وافعل دعامات التوجه الإصلاحي ، وأكثر الوسائل تأثيرا في حركة المجتمعات ، وفي كثير من الحالات تأخذ الصحافة دور المبادرة في طرح القضايا والمشاكل وتطرح – سواء للرأي العام أو لصانع القرار - اقتراحات بالحلول والخيارات لهذه القضايا والمشاكل غياب المبادرة ************ إلا أن المتابع لحال صحافتنا بالمملكة يجد أن واقعها هو دون المطلوب ، دون أن يلغي هذا دور القائمين عليها إدارةً وتحريراً و تنفيذاً فنياً ، أو أن ينفي عنهم صفة الحرفية التي هي علي مستويً عال ، يكاد يتفوق علي كثير من نظيراتها العربية . إلا أنني – وهذا ما أحب التأكيد عليه دائماً – اعتمد معيار آخر في محاكمة واقعنا ، ينطلق من قناعة راسخة عندي ،وهي أننا نمتلك مقومات دولة كبري ، ويمكن أن تلعب دوراً مؤثراً وكبيراً علي مستوي عالمنا المعاصر والمستقبلي . سوي من حيث إمكانياتنا ومواردنا الطبيعية ، أو من حيث موقعنا الروحي والثقافي ، أو موقعنا الجيوبولتيكي . وان كل ما ينقصنا هو تفعيل وتوظيف كل هذه المكونات والإمكانيات ، وتفجير طاقات المجتمع والفرد ليطرح مساهماته الحضارية في عالمنا . وعلي ضوء هذا المعيار نسال : هل يمكن أن تعبر بنا صحافتنا بحالتها الراهنة هذه الفجوة بين ما هو كائن في مواقعنا إلي ما ينبغي أن يكون ؟ . يبدو ذلك وفي ظل واقعها الحالي غير ممكن . وهذا ما سأحاول معالجته فيما يلي : وصحافتنا حيث تنقصها المبادرة في التصدي لمشاكلنا وقضايانا .. وهي في مجمل أحوالها تكتفي بدور (( الصدى )) لصوت المسؤولين في الدولة ، وثمة العديد من الشواهد التي لازلنا نتذكرها ، منها مثلاً موقفها من قضية الفقر في المملكة . هذه القضية رغم وجودها في مجتمعنا ، ورغم علم الصحفيين التام بها ، حيث ينشرون كل مرة معاناة مواطن أو مواطنة أوصد الفقر والحاجة الأبواب في وجهيهما ، إلا أن التعامل مع هذه الحالات كان يتم باعتبارها حالات فردية ، وخاصة ، واستثنائية ، لا ملفاً ينبغي فتحه ومناقشته بصراحة ووضوح . إلي أن قام ولي العهد في ذلك الوقت "عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله " بزيارته الشهيرة إلي احد أحياء العاصمة الفقيرة ، وتحدث بصراحة ووضوح عن هذه الظاهرة ، ووجه بضرورة التصدي لها ، وشكل لجنة لهذا الغرض ، وأعلن عن تبرعه المبدئي . بعدها فقط تنبهت الصحف إلي أن هناك قضية مهمة تستحق المتابعة . وليست هذه هي المرة الأولي والأخيرة ، ولا هي المرة الوحيدة . مرآة من ؟ ******** افهم ويفهم غيري أيضا أن صحافتنا اكتسبت هذا التوجه أو هذا النهج من سنوات ما تسميه بعض الدوائر بالطفرة ، واسميها (( الوفرة )) ، حيث غطت الدخول المرتفعة سواء للدولة أو المواطنين ، علي كثير من السلبيات ، التي كانت تنتشر بحرية تامة تحت هذا السطح البراق من الأموال وحركة التعمير والتنمية الاقتصادية المذهلة . فقد كان كل شئ يبدو تماماً ، والأوضاع لا تدعو فقط إلي التفاؤل بل وتدعو إلي الانتشاء . وبدلاً من أن تصبح الصحافة مرآة لواقع المواطنين اليومي ، لتعكس الجوانب الخفية للمسؤولين حتى يعالجوا السلبيات أولا بأول . أصبحت الصحافة مرآة للمسؤول يري من خلالها نفسه كما يحب أن يراها ، كما يحب لولاة الأمر وللمواطنين أن يروها . ونتيجة لهذا النهج ترسخت العديد من التقاليد . إذا انعدمت روح المبادرة التي اشرنا إليها سابقاً وأصبحت الصحف تعتمد علي المصادر الرسمية في أخبارها وتقاريرها وتحقيقاتها ، لذا تري أن صحافتنا عبارة عن صحيفة واحدة تصدر عن أكثر من درا نشر ، وتحمل كل واحدة منها اسماً مختلفاً وبالطبع يمكنك أن تستثني صحيفة أو صحيفتان ، استطاعتا أن تتميزا بطرح خاص بهما يعكس نهجاً وتوجهاً خاصين . عدم تنوع المصادر ، وعدم الكد والاجتهاد بحثاً عن المعلومة الحقيقية جعل الصحف أو كثير منها تبدو كما لو كانت فروعاً لأقسام العلاقات العامة والإعلام بكثير من الوزارات ، وذلك عن طريقين : إبراز شهادات الوزراء والمسؤولين عن إنجازاتهم في القطاع الذي يديرونه ، والحديث الدائم عن هذه الإنجازات والاكتفاء بهذه الشهادات المجروحة ، أدي إلي تزييف الحقائق في كثير من الحالات ، والذي يكشفه ولاة الأمر بين حين آخر ، ويكشفه الواقع الذي يعايشه الناس بشكل يومي . كما أدي ويؤدي بشكل حتمي إلي تزيين الكثير من السلبيات وأوجه القصور . أما الطريق الثاني فيظهر واضحاً حين تنشر احدي الصحف معاناة مواطن – أيا كان نوعها ومستواها - ، أو حين تعكس الصحيفة احد محرريها او كتابها او قراءها ، وجهاً من أوجه القصور أو السلبيات – وما أكثرها – لتفاجأ في اليوم الثاني بمقال أو بيان طويل عريض من مكتب المسؤول ينفي ما ذكرته الصحيفة ، وغالباً ما يذيل المسؤول بيانه ويختمه بنصيحة أو توجيه هو اقرب إلي الأمر بان تتحري الصحيفة المعلومة من مصادرها ، ويفترض أن المصدر الوحيد للمعلومة هو المسؤول نفسه . وهذا ببساطة يعني إلغاء (( الواقع )) التي يعايشه الناس والاكتفاء بالواقع الافتراضي والموجود فقط في ملفات المسؤول . المبالغة في الطرح *************** وفي ظل غياب المعلومة ، أو تعطيل الحس المعلوماتي عند الصحفي و الكاتب يعم ويسود الطرح العاطفي للقضايا الحيوية والمصيرية ، والتي تحتاج إلي المعالجة الفكرية والموضوعية المتجردة . ومن سمات الطرح العاطفي للقضايا المبالغة ، في الحالين ،حالات السلب والإيجاب . وقد ظهرت المبالغة في حالات السلب بشكل واضح في التغطية الصحفية التي أعقبت حادثة مدرسة البنات بمكة الذي راحت ضحيته أرواح بعض فتياتنا ، يومها انفتحت أبواب النقد الجحيمي بلا هوادة علي المسؤولين بكل الجبهات ، وانهالت القصائد والمراثي علي صفحات الصحف . وبالنسبة لي شخصياً كانت المسالة برمتها تبدو لا عقلانية بشكل غريب ، لسبب بسيط وهو انه لم يحدث قط من قبل أن أشارت احدي الصحف مجرد ،إشارة إلي واقع هذه المدارس ، وكأنما كان الأمر غير موجود قط من قبل . إذ ((اكتشفت)) الصحف فجأة أن هناك الكثير جداً من المدارس تعاني من القصور ، سواء في بناياتها المتصدعة ، أو في توصيلاتها الكهربائية السيئة ، أو المتكدسة الفصول .. الخ . كان الأمر اقرب ما يكون إلي الاستغلال الانتهازي للحادث . إلا أنها المبالغة في الطرح ، والبحث عن الإثارة بقصد التميز والتفرد .. ولكن الجميع لم ينتبهوا إلي أنهم كانوا يرددون الأغنية نفسها . بينما ما تبدو المبالغة في حالات الإيجاب واضحة في تضخيم الإنجازات ، وتبدو هذه الحالات بصورة كاريكاتيرية في صحافتنا الرياضية ، إلا أنها أيضا لا تقل كاريكاتيرية في غيرها من الشئون الاخري ، إذ يصبح ما هو متوقع ، لأنه يندرج من باب الواجب علي المسؤول أو المرفق الحكومي المعني ، يصبح إنجازا وإعجازا يستحق عليه المسؤول الإشادة بشكل مضخم في الصحف . وإذا كان هذا النهج يعكس رغبة خفية في تأكيد التميز الوطني ، ورغم انه يؤدي إلي تزييف الحقائق وتزيين السلبيات في الحالة الثانية ، فانه في حالات السلب يؤدي أيضا إلي نفس النتيجة ، أي لا يعكس الواقع الحقيقي ، وربما يدل أيضا علي رغبة لا واعية في جلد الذات . وفي كلا الحالتين هو نهج عاطفي لا يمكن أن يقودنا إلي الطريق الصحيح ، وإنما يوصلنا في نفق مظلم . أولويات معكوسة ************** وبما ان صحافتنا لا تقوم منفصلة أو منعزلة عن محيطها الاجتماعية لذا لابد وان تتأثر سلباً وإيجابا بثقافة هذا المجتمع ، ومنظومة قيمه وعاداته وتقاليده . ويبدو هذا التأثير في جانبه السلبي واضحاً في غياب المؤسساتية وسيادة النهج الشخصاني في إدارة المؤسسات ، نسبة لضعف الثقافة المؤسساتية في تقاليدنا ، حيث تشيع ظاهرة المحسوبية والوساطة وغيرها من تداعيات النهج الشخصاني حيث تكون السلطة مشخصنة وينعكس هذا النهج في شيوع وسيادة العمل بقاعدة المجاملة ، سواء في التعيين و الاستكتاب في الصحف، إلا فيما ندر . ومن هذه المؤثرات الاجتماعية ، والتي في جوهرها كانت واحدة من الانعكاسات السلبية لفترة (( الوفرة )) الفهم السطحي الشكلاني لمفاهيم التطور والتحديث . فمثلما انحصرت معاني هذه المفاهيم عند الأفراد في اقتناء أحدث المنتجات والأجهزة ، انحصرت في الصحف علي استيراد أحدث المطابع ، والمكاتب المجهزة بأحدث تقنيات الاتصال ، والاهتمام بالتلوين والورق الجيد ، والتركيز علي كم الصفحات فقط . ولكن في المقابل تم تجاهل نوع المادة ومستوي الطرح . في هذه العملية تم التركيز علي الشكل والكم .. علي حساب الكيف والنوع . وبسبب هذا الكم الهائل من الصفحات التي تحتاج إلي تسود بالكتابة والصور ، وفي ظل عدم تنوع المصادر ، والكسل عن البحث الجاد عن القضايا الحقيقية والمشاكل الواقعية ، انتشرت ظاهرة المادة التلفونية ، التي يعتمد فيها المحرر علي الهاتف من اجل إعداد مادته ، أيا كانت هذه المادة خبراً أو تقريراً أو تحقيقاً أو استطلاعاً .. الخ . بما أنها صحافة ((صدي)) لا صوت خاص لها ، فان هذا النهج عم حتى في التعامل مع القضايا العالمية ، خاصة ما اتصل منها بنا ، فما أن يطلق شخص ما ، نكرة لا وزن ولا قيمة له ، في أمريكا تصريحاً أو رأياً عن المملكة حتى تجد صحفنا وباتفاق غريب قد جندت محرريها وكتابها وقراؤها أيضا للتصدي والرد علي هذا ((الشخص النكرة )) . انه الصدى والمبالغة والطرح العاطفي مرةً أخري . وأقول هذا وكلي قناعة بأننا قادرون بالفعل علي ما هو أحسن .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up