رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

لا تجاوز لأزمة الإسكان إلا بخفض الأسعار

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

خلص المقال الأخير "تكلفة حل أزمة الإسكان" إلى عدد من النتائج البالغة الأهمية، وهي النتائج المثبتة بالبيانات الرسمية للوضع الراهن الذي تقف عليه السوق العقارية المحلية. تكمن أهمية تلك النتائج في أنها تحمل توصيف الداء، والأهم من ذلك وصفة الدواء والشفاء. أستعرضها فيما سيأتي في تلخيص شديد، راجيا ألا يخل بوضوحها لدى القارئ الكريم.
أولا: إن الركود الكبير الذي تشهده السوق العقارية، الذي يدخل الربع التاسع على التوالي (منتصف 2014 حتى منتصف 2016)، يقف خلفه في الدرجة الأولى استمرار تضخم أسعار الأراضي والعقارات، على الرغم من الانخفاض الذي طرأ عليها منذ العام الماضي، إلا أنها ما زالت أعلى بكثير من قدرتي الدخل والائتمان بالنسبة للأفراد، وفي الوقت ذاته ذات مخاطر عالية بالنسبة للمستثمرين والمطورين العقاريين على وجه الخصوص. إذ يقدر إجمالي القيمة السوقية للمعروض الراهن من الأراضي والعقارات حتى تاريخه بنحو 4.5 تريليون ريال "نحو 1.6 تريليون ريال للمنتجات السكنية، و2.9 تريليون ريال للأراضي"، بلغت نسبة القيمة السوقية لعروض البيع هذه للناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنهاية 2015 أعلى من 185.3 في المائة "بالطبع لا تدخل فيها مساحات الأراضي غير المعروضة للبيع في الفترة الراهنة، ما يعني أن القيمة السوقية بأسعار اليوم لإجمالي العقارات والأراضي كاملة أكبر بكثير من 4.5 تريليون ريال".
ثانيا: إن هذه القيمة السوقية المتضخمة (الفقاعة العقارية) البالغة 4.5 تريليون ريال في الوقت الراهن، كما أنها تفوق قدرة الدخل لدى الأفراد وحتى المستثمرين المحتملين (المطورين)، فإنها أيضا تفوق كثيرا القدرة الائتمانية لجميع المصارف المحلية ومعها مؤسسات التمويل الأخرى "بلغ إجمالي القروض العقارية الممنوحة من المصارف 193.7 مليار ريال بنهاية آذار (مارس) 2016، أي 4.3 في المائة فقط من إجمالي القيمة السوقية لمعروض العقارات والأراضي أعلاه"، ما يعني أن كلا من المصارف المحلية ومؤسسات التمويل مجتمعة حتى وإن ضاعفت حجم قروضها العقارية في منظور عامين إلى ثلاثة أعوام مقبلة، مرتين إلى ثلاث مرات "387 إلى 581 مليار ريال"، فإنها لن تلبي بافتراض ثبات الأسعار المتضخمة وعدم ارتفاعها أعلى من 13.0 في المائة من إجمالي تلك القيمة السوقية! ومؤدى كل هذا استمرار حالة الركود العقاري من جانب، ومن جانب آخر استمرار أزمة الإسكان.
السؤال الأهم هنا؛ هل لدى المصارف المحلية ومؤسسات التمويل مجتمعة القدرة على ضخ هذه القروض العقارية الهائلة في منظور عامين إلى ثلاثة أعوام؟ الإجابة تجدها في المراكز المالية لتلك المصارف والمؤسسات التمويلية، وفي حجم الودائع المصرفية وحجم السيولة المحلية بتعريفها الواسع والمتوسط، التي تبين استحالة تحقق هذا الحلم المنشود خلال تلك الفترة القصيرة، وفي أحسن الأحوال لا يتوقع أن تتجاوز قدرتها خلال خمسة أعوام قادمة أعلى من مضاعفة هذا الرصيد (193.7 مليار ريال)، خاصة تحت الظروف الاقتصادية والمالية الراهنة، وهو ما لا يكفي على الإطلاق لإخراج السوق العقارية من ركودها، ولا يكفي أيضا للمساهمة في حل أزمة الإسكان المحلية كما سيأتي إيضاحه في النتيجة الثالثة.
ثالثا: إن الأفراد المستهدفين بالتمويل العقاري هنا "يقدر عددهم في الوقت الراهن بأكثر من 1.5 مليون طالب تملك مسكن"، يقف وراء إعاقة قدرتهم على الاقتراض ثلاثة أسباب لا مجال أبدا لتجاوزها في الظروف الراهنة.
السبب الأول: أنهم يتحملون أعباء سداد قروض استهلاكية للمصارف المحلية تجاوزت بنهاية آذار (مارس) 2016 الماضي سقف 339.4 مليار ريال، دع عنك القروض الأخرى لمصلحة شركات التقسيط "قروض الظل المصرفي".
السبب الثاني: أن متوسطات الأجور السنوية للعمالة السعودية تظل متدنية إلى متوسطة بما تتجاوز نسبته 86.0 في المائة من إجمالي العمالة، ما يعني تضاؤل فرصها الائتمانية أمام التضخم الراهن في تكلفة المعيشة، حتى مع توجهات رفع نسب استقطاع أقساط سداد تلك القروض المصرفية إلى 65 في المائة من الأجر الشهري للمقترض، على اختلاف تلك القروض "قرض استهلاكي، قرض عقاري، قرض معجل، قرض إضافي... إلخ".
السبب الثالث: وهو لب المشكلة في الأزمة الراهنة؛ أن الأسعار المتضخمة للعقارات تظل أعلى بكثير من مجموع مدخرات الأفراد ومستويات أجورهم زائدا قدرتهم على الاقتراض بأي نوع من أنواع تلك القروض.
رابعا وأخيرا: أن المخرج المتاح ويكاد يكون الوحيد تماما في ظل هذه الأوضاع العقارية والإسكانية أعلاه، هو أن يتم تعزيز وتقوية قرارات وأدوات خفض التضخم الهائل في أسعار الأراضي والعقارات، وفي مقدمتها "نظام الرسوم على الأراضي البيضاء"، وهو التوجه الأكثر أمانا اقتصاديا وماليا واجتماعيا الذي له ما يبرره من الأسباب الموثوقة والسليمة، يأتي في مقدمتها السببان التاليان: (1) أن الأسعار المتضخمة أو الفقاعة العقارية الهائلة الراهنة، نتجت بالدرجة الأولى والأكبر عن سيطرة تشوهات هيكلية في السوق العقارية المحلية "احتكار الأراضي بمساحات هائلة لعقود زمنية طويلة، اشتداد المضاربة المحمومة على الجزء المحدود للتداول من تلك الأراضي بما لا يتجاوز 10.0 في المائة من إجمالي مساحاتها داخل المدن والمحافظات". بناء عليه؛ فإنه من العدالة والسلامة للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، أن يُعالج هذا الخلل الخطير بكل الأدوات والإجراءات المتاحة لدى الدولة، فتعود الأسعار المتضخمة إلى مستوياتها العادلة سوقيا، ومنع التوغل أو التورط في منع التصحيح اللازم والصحي للأسعار المتضخمة، أو الدفاع عن ثباتها واستقرارها على مستوياتها السعرية الخطيرة، وماذا في رأي من يهرول خلف هذا التوجه الخاطئ السبب وراء نشوب أزمة الإسكان الراهنة؟ إلا أنه كما تم إيضاحه في أكثر من مقال ومقام وتقرير المتمثل في تضخم الأسعار، والتشوهات الهيكلية التي أدت لحدوثه!
(2) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؛ لماذا يقبل أن يتحمل أفراد المجتمع الباحثون عن تملك مساكنهم، وهم الأغلبية في الوقت الراهن أعباء هائلة جدا من القروض المصرفية المختلفة الأنواع، في الوقت ذاته الذي يمكن بكل يسر تحقيق هذا الهدف التنموي ذي الأهمية القصوى "زيادة تملك أفراد المجتمع لمساكنهم" بأقل من 75.0 في المائة من حجم هذه القروض؟! أليس الأولى والأهم بكل الاعتبارات الوطنية قبل أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية؛ أن يتم العمل الجاد والدؤوب على طريق معالجة خطأ تضخم الأسعار الناتج في الأصل عن أخطاء وتشوهات، أدركتها الدولة، أيدها الله، بإقرارها عديدا من القرارات "منها رسوم الأراضي"؟
لقد تبين لنا جميعا دون استثناء سبب الأزمة الرئيس "تضخم الأسعار"، وتبين أيضا الطريق الوحيد والآمن لتجاوزه، ولم يبق سوى الجدية التامة بالسير قدما من خلاله. عدا ذلك؛ سنكون على موعد لا مجال للهروب منه، استدامة سبب الأزمة من جانب، ومن جانب آخر تفاقم أكبر حجما وأكثر خطورة للأزمة الإسكانية لا قدر الله. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

arrow up