رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

استثمار التطرف

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

سعت أميركا إلى خلق ملفات أمنية لتكوين قاعدة بيانات ضخمة تشمل من سبق لهم الانتماء للتنظيمات المسلحة من أفغانستان مرورا بيوغسلافيا وبلدان اﻻتحاد السوفيتي والبلدان العربية هل الإرهاب صناعة استخباراتية غربية، كما يتحدث الكثير الآن، أم هي صناعة راديكالية بحتة تقوم على مبدأ "الحاكمية" والسيطرة على العالم الكافر بأسره، أم هي تقاطع مصالح بين الطرفين فالتقت الأهداف على أمر قد قدر؟ يبدو الأمر أقرب للمسار الأخير. المشكلة تكمن في السيطرة على المارد في حال انفلاته، مما يجعل التحكم بالنتائج حينئذ يكون غاية في الصعوبة. لا أحد ينكر تلك المعسكرات التي شيدها الغرب لتدريب عدد كبير من الجنود المرتزقة، ومن ثم إرسالهم إلى البوسنة والهرسك، وقبل ذلك إلى أفغانستان. لقد بعثت في أولئك من جديد تلك الرواسب الجهادية القائمة على مقاومة المنكر بأقوى درجاته وهو اليد أو (الفعل). التقت تلك الرغبات العارمة بين أهداف سياسية لقوى الهيمنة من جهة، ومن جهة أخرى حضرت أهداف الفكر الراديكالي المرتبط بأيديولوجيا القتال أو "النحر على الطريقة الإسلامية"، بحسب تعبير أحد الدعاة. لقد استفادت من هذا الأمر قوى النفوذ في تحشيد الآلاف من مناطق مختلفة ليكوّنوا تشكيلة منتخب فريق عالمي إرهابي، إن صح التعبير، وحينما تنتهي المعارك، أو توشك، ضد تلك الدول المستهدفة، كان من الطبيعي أن تعود تلك المجاميع كل منهم إلى بلاده، غير أن بذرة التعصب التي تمت تغذيتها من خلال الدعاة في المعسكرات الجهادية، خامدة وقد تستغل في أي ظرف من الظروف. من هنا سعت أميركا إلى خلق ملفات أمنية لتكوين قاعدة بيانات ضخمة تشمل من سبق لهم الانتماء لهذه المجاميع المسلحة بدءا من أفغانستان ومرورا بيوغسلافيا وبلدان اﻻتحاد السوفيتي والبلدان العربية. كانت الخطة فيما سبق معدة لضرب الأنظمة ذات الطابع الشمولي، وكان تنفيذ الخطة قد اعتمد على اﻻستعانة بالمكونات المضادة لبعضها البعض، والتي تشترك في عدائها للنهج الرأسمالي من خلال افتعال الحروب فيما بينها، والتخلص أخيرا ممن بقي منها مثخنا بجراحه. هذا النهج الذي يعززه وزير الخارجية الأسبق كيسنجر، والذي ما زال يبث مثل تلك الأفكار عبر مقاﻻته وكتبه ولقاءاته. بالمناسبة، فإن كيسنجر عضو في ما يطلق عليها "الحكومة العالمية" والمسماة "Bilderberg Group"، وهي منظمة سرية تجتمع بشكل دوري، وكان آخر اجتماعها في يونيو الماضي في دريسدن الألمانية. الكثير ينسب تخطيط النظام العالمي الجديد إلى تلك المنظمات المغلقة التي تضم في صفوفها ممثلين مؤثرين لنخبة من صناع الرأي في العالم الغربي ورجالات السياسة والاقتصاد الأكثر نفوذا خلف جدار عازل من السرية الشديدة ومنها نادي بلدربيرج آنف الذكر. يذكر أن أحد أهم نصائح النادي السري "الحكومة السرية" التي قدمتها لأميركا، هي عدم حل المشاكل في العالم، بل على السيطرة عليها وإدارتها حسب المصالح، وفي حالة عدم وجود مشاكل فإن على أميركا اختلاق المشاكل، وهذا هو ما يظهر للمتابع على أرض الواقع، والذي يفسر عدم جدية الدول العظمى في القضاء على المنظمات الإرهابية. هذه الإستراتيجية هي ما جعل من المال والسلاح وإقامة المعسكرات في جميع أنحاء العالم وبالقرب من مناطق الصراع المستهدفة وسيلة ناجعة لخلق مناطق للصراع والسيطرة عليها وتوجيهها نحو هدم الأنظمة المستهدفة. غير أن الآثار السلبية لتلك الخطط قد بدأت تظهر على السطح، وقد صرحت هلاري كلينتون بأن هذه المنظمات المسلحة التي خلقوها ودربوها لضرب القوى المضادة قد خلقت لها رموزا قيادية على مستوى الفكر والميدان، وهي قابلة لتغيير اﻻتجاهات في أية لحظة. والمؤكد أنه من السهولة إشعال الحروب ضد الغير، لكن من الصعوبة امتلاك حل سحري يخمدها فورا. لقد عادت الفكرة بقوة حينما طرحها الرئيس الأميركي بوش بإعادة الهياكل العسكرية وتأهيلها مجددا وتوجيهها لمناطق الصراع المستهدفة لتحقيق غرضين كان الرئيس قد حددهما، وأولهما هو إخلاء كل هؤﻻء المسلحين من جميع أنحاء العالم وتوجيههم إلى البلدان التي تعرف بالبلدان (المتسخة). وثانيهما هو التخلص منهم فيما بعد بالقصف الجوي وعن بعد في نفس مناطق الصراع بما يحقق هدم ما تبقى من البنى التحتية في نفس تلك البلدان، وكانت هذه الخطة قد جرت هيكلتها وفقا لمنهج ما أطلق عليه بالفوضى الخلاقة. وحينما تشعر هذه المجاميع المسلحة بأنها أصبحت هدفا للتخلص منها فإنها ستسعى حتما إلى اﻻنتقام من مموليها وأحلافهم بالفعل ذاته الذي كانت تقوم به في المناطق المستهدفة سابقا. لم يعد شعار أن الكفار قد سخرهم الله لخدمة المسلمين قابلا للتطبيق! ولم تعد حدود هذه الدول التي تعرضت للقصف والغزو العسكري آمنة، فكان التسلل إلى البلدان المجاورة أو أوروبا أكثر سهولة، سواء عبر المهاجرين أو اللاجئين. المسميات تزول، لكن يعود نفس المسلحين وتحت اسم آخر أكثر شراسة من ذي قبل وهم محملون بالحقد على من نكى وتنكر لهم حكومة وشعوبا. حمى الله شعوبنا من هذه الآثار السلبية التي بدأت ترتد علينا جراء تعبئة الناس على نهج التعصب والغلو. نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up