رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

تتكرر مذابح الأحلام الموسمية على بوابات القبول !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

غريب هذا الذي يحدث في قطاع التعليم الجامعي عندنا ففي أي بلد في هذا العالم – مهما كانت إمكانياته ضعيفة – حين يستطيع طالب أن يحرز نسبة 93% ، يتوجه تلقائياً معززاً مكرماً إلى الكلية التي يرغب فيها . وعادة ما يُعطى أصحاب النسب الأكبر الأولوية في سد احتياجات الكليات العلمية من هندسة وأحياء وفيزياء .... الخ ، فهذه من التخصصات النادرة في دور العلم وفي سوق العمل ، محياً وعالمياً .
مذبحة الأحلام الموسمية يحدث هذا في كل دول العالم ، إلا عندنا وما يحدث عندنا بقدر ماهو استثنائي وشاذ ، بقدر ماهو محزن ومأساوي . يحرز الطالب – أو الطالبة – نسبة نجاح 93% فيرغم على التحول إلى إحدى الكليات الأدبية أو العلوم الإنسانية التي لا علاقة له بها طيلة سنوات دراسته ، ولا رغبة له فيها أو فليدرس من جيبه ، وجيب ولي أمره .. أليس في هذا ظلم يحرق القلب ويفتت الكبد ؟ نفعل هذا دون مراعاة للجهد الذي بذله لينجح ويحقق طموحه لينخرط في المجال الذي أحبه واخلص له سهراً وإطلاعاً، وربط مصير مستقبله وحياته به . واستطاع بعد فضل الله وتوفيقه، وبفضل كده واجتهاده أن يتأهل لتحقيق حلم حياته وحلم والديه وذويه . فنأتي وبجرة قلم لنصدر حكماً بإعدام هذا الحلم والطموح المشرو والنجاح المستحق . ولا نكلف أنفسنا تعريفه هو المحكوم عليه بحيثيات وأسباب ومبررات هذا الحكم القاسي . أي استهانة هذه بأحلام عرق وطموح وجهد أبناء وبنات الوطن هذا ؟
حـــــسناً . بما أن أحداً لم يتبرع حتى ألان بتوضيح هذه الأسباب ، دعونا نتعرف الأسباب الممكنة والمفترضة المنطقية . هل جامعاتنا لا تستطيع أن تستوعب عدد الناجحين والناجحات من أصحاب النسب الكبرى (من 85- 98 ) ؟ كم عدد جامعاتنا ، وكم تبلغ طاقة كلياتها العلمية الاستيعابية ؟ وبالمقابل كم عدد طلاب هذه الفئة ؟ . لجنة مركزية للقبول من الواضح أن هناك فوضى عارمة في مسألة القبول وسوء تخطيط ، اقترح أن تنزع صلاحية القبول من إدارات الجامعات بتشكيل لجنة مركزية للقبول ، ومثلما نفعل في الامتحانات ، يتم التعامل عن طريق النسب كأرقام عند التوزيع على كليات الجامعات حسب نسبة الطالب أو الطالبة ، وان يُعزل أعضاء اللجنة المركزية ، مثلما يحدث في نظام المُحلّفين في القضاء الأمريكي ، عن العالم الخارجي ، ويقطع كل اتصال لهم به طيلة فترة عملهم ، لعزلهم عن أي مؤثر خارجي أياً كان مصدره، يتدخل في التأثير على عملهم وحياديته المطلوبة .
وطالما أن الواسطة واحدة من اكبر المفاسد التي يترتب وينتج عنها ظلم يقع على احد ، وسلبه حقه ومنحه لشخص آخر لا يستحقه ، ونظراً الى مايمكن أن يحدث حين يتجاوز ضرر هذا الظلم الشخص المظلوم الى المجتمع والدولة ، إذا ما انحرف المظلوم تحت ضف شعوره بالغين والقهر الى الانتقام من المجتمع بالانضمام الى زمرة الإرهابيين ، أو سعى للانتقام من نفسه بالانجراف والانحراف في زمرة المدمنين على المخدرات أو الى الجريمة العنيفة وغير العنيفة والتبطل . أقول طالما آن الواسطة هي مفسدة بهذا الخطورة ، فان الشر الإسلامي الحنيف الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة قد وضع لنا آلي لاجتثاثها في فقه درء أو سد الذرائع ، وأزعم أن مثل هذه اللجنة المركزية تصلح آلية ملائمة لسد ذرائع مفسدة الواسطة ، بما يكفي الوطن شر نتائجها الخطرة أويقيه من تداعياتها السلبية . اقترح هذا رغم علمي اليقيني بأن في نظام القبول مايكفي لإقامة العدل بين كافة مواطني المملكة ، إلا أن المشكلة ليست في نظمنا ، وانماً تكمن علتنا في إلغائها من قبل القائمين على تنزيلها من الورق إلى أرض الواقع، وفي اعتماد نظم تستمد شرعيتها من شخص هذا المسؤول أو ذاك ، في هذا الموقع أو ذاك ، وتخضع لاعتبارات علاقاته هو الشخصية ولمزاجه وأهواؤه وميوله .
ثمة معايير أخرى إلا أن هذه الظاهرة التي تتكرر كل عام تطرح سؤالاً مضللاً وهو . هل نحتاج فعلاً الى جامعات أكثر وبعدد أكبر؟ . السؤال مضلل لان هذه المشكلة تعترض الطلبة وأولياء الأمور في كليات العلوم والهندسة والطب بمختلف فروعها فقط أو بنسبة اكبر . وحين نحاول تقصي الأسباب نجد بأن نسبة الطلبة الملتحقين بالكليا النظرية التي تركز على التربية والدراسات الشرعية والعلوم الاجتماعية والإنسانية وغيرها تبلغ نحو 79% في المتوسط ، بينما يشكل الملتحقين بكليات العلوم والهندسة والطب نحو 19% فقط ، وهذه النسب لاتعكس تطورات سوق العمل واحتياجاته خاصة في القطاع الخاص الذي يستوعب حوالي 95% من العمالة .
وبالتالي فإننا في حاجة الى إعادة النظر في هيكلة المسألة برمتها ، وقد لفت نظرنا الى ضرورة معالجة هذا الاختلال خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – أكثر من مرة . إذن فالمسالة برمتها ليست أكثر من سوء تخطيط من ناحية ، وعدم تطبيق للنظم من ناحية أخرى . أما إذا تعلل أحد ما بحجة شح أوقلة الإمكانيات ، فانه أنما يفعل ذلك تبرئة لنفسه من تهمة الفشل والعجز ، بتعليق أسباب القصور على شماعة الإمكانيات ، هذه الاسطوانة المشروخة . واعتقد أن مواجهة أنفسنا والبحث فيها عن أسباب هذا القصور أجدى وأنفع من هذا " المنهج ألنعامي " الذي نتبعه هروباً أوتهرباً من الواقع . واعتقد أنه قد آن لنا أن نكف عن سياسة وضع الشخص في موقع حساس بناء على ماتقوله السيرة الذاتية المكتوبة على الورق ، فما أضرنا شيء ، وما أضر بمرافقنا ومؤسساتنا شيء مثل الاكتفاء بالسيرة الذاتية ، لأنها وطالما هي ذاتية ، فان هذا يعني أنها لاموضوعية ، أو غير موضوعية ، إذ ثمة مواصفات في القيادة لا يمكن كتابتها على أوراق السيرة الذاتية ، ولا يصلح للحكم فيها سوى طرف آخر ، غير كاتب السيرة .
لأنني على يقين بأننا لو وظفنا الإمكانيات الموجودة والمتوفرة على النحو الأمثل فإننا لن ندفع إلى الشارع أو إلى المجهول بهذا الكم من أبناءنا وبناتنا الذين اجتهدوا ونجحوا بامتياز ، دون أسباب حقيقة . خاصة ونحن بلد يسعى لان ينافس في ظل واقع عالمي لا مكان فيه إلا للفرد المؤهل تأهيلاً قوياً ، وتتمتع فيه النظم والقوانين بحياديه وموضوعية ، وبتجرد صارم ، وبسلطة نافذة ، لا سلطة هشة يمكن أن يخترقها أي متلاعب بالنظم والقوانين . كلمة أخيرة وهذا – بعد – أضعه ليس أمام المسؤولين فقط ، ولكني أضعه بين يدي المفكرين والمختصين ، علهم يخرجون بشيء يفتح أفاق الطمو والأمل في وجه أبناء وبنات هذا الوطن ،الذي لم يبخل ولاة أمره على التعليم بشيء مما يجعله باباً مفتوحاً على مصراعيه أمام أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء . وشخصياً لم أعاني من هذه المشكلة إذ أن طالعي – والحمد لله – لم يكن بهذا السوء إلا أنها قضية تهم الجميع بشكل مباشر . وعندما واجه احد الفاضلين ممن اعرف هذه المشكلة ، واخبرني بأنه سيلجأ الى أحد ولاة الأمر ليرفع إليه مشكلته ، قلت له : حينها لن تكون قد فعلت شيئاً سوى أنك حللت مشكلة ابنك وحده ، هذا حل يتسم بالأنانية ، فماذا عن من لا يستطيع أن يلجأ لمن هو الأكبر من المسؤولين ؟

arrow up