رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

حماية التوطين من عواصف المدير الوافد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ما إن بدأت برامج التوطين المستحدثة من قبل وزارة العمل "بمسماها السابق" مطلع 2011، إلا وانفتحت أبواب سماء الاستقدام على أوسع مصاريعها، ليتجاوز عدد تأشيرات العمل الجديدة للقطاع الخاص خلال 2011 - 2015 سقف 7.6 مليون تأشيرة (بلغ إجمالي التأشيرات للفترة نفسها 12.1 مليون تأشيرة)، ولترتفع أعداد العمالة الوافدة في مختلف منشآت القطاع الخاص من 6.2 مليون عامل بنهاية 2010، إلى أن تجاوزت أعدادهم سقف 8.8 مليون عامل وافد بنهاية 2015، ويقدر أن يتخطى عددهم إذا مضى نموهم السنوي بهذه الوتيرة سقف 9.2 مليون عامل وافد بنهاية العام الجاري.
نتج عن هذه التدفقات المليونية من العمالة الوافدة، أن ارتفعت فاتورة الحوالات إلى الخارج من أدنى من 100 مليار ريال سنويا، إلى أن لامست مستوى 156.9 مليار ريال بنهاية 2015، وليصل إجمالي تلك الحوالات خلال 2011 - 2015 إلى نحو 693.8 مليار ريال! ويقدر أن تتخطى بنهاية العام الجاري مستوى 160 مليار ريال. ولم يقف مسلسل نتائج تلك البرامج المستحدثة للتوطين عند هذا الحد، بل تزامن معه على الرغم من ارتفاع توظيف المواطنين بحسب البيانات المعلنة، ارتفاع لافت في سيطرة العمالة الوافدة على المناصب التنفيذية والقيادية في القطاع الخاص، تتجلى بصورة أكبر على مستوى (الذكور)، حيث ارتفعت نسبة استحواذ العمالة الوافدة على تلك المستويات الوظيفية من 10.4 في المائة بنهاية 2010، إلى أن تجاوزت 39.3 في المائة بنهاية 2015، ويبدو أنها في الطريق للصعود بنسب أكبر في المرحلة الراهنة ومستقبلا، خاصة بعد بدء تنفيذ مواد نظام العمل الجديد، الذي سهل كثيرا على قيادات القطاع الخاص إنهاء عقود العمالة الوطنية (على وجه الخصوص أصحاب الأجور المرتفعة).
أهمية الحديث والتحديات هنا، ليس عما تقدم ذكره من تطورات بدأت تظهر آثارها السلبية أخيرا، بل تتركز على محاور ينبغي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية العمل عليها منذ اللحظة، وضرورة استدراك الأوضاع المعقدة التي يواجهها العاملون والعاملات من المواطنين، بدءا من الضرورة القصوى لإعادة مراجعة نظام العمل الجديد، وصياغته بما يتوافق بصورة أكبر مع الرؤية المستقبلية للمملكة 2030، مرورا بتكثيف جولاتها التفتيشية على منشآت القطاع الخاص، والعمل بصورة أكثر عمقا وفحصا تجاه الممارسات التعسفية التي تعانيها العمالة الوطنية، تلك الممارسات التي لا تستطيع كاميرات المراقبة التقاطها، ولا يوجد لإثباتها بطرق ملموسة ما يمكن الاعتداد به قانونيا، إلا أنه يمكن استشفافها من عدد من المؤشرات، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ المستويات الإدارية المقارنة، الأجور الشهرية المقارنة، المكافآت السنوية المقارنة، طول فترة ثبات الأجور دون أي علاوات سنوية، المهام والمسؤوليات العملية المقارنة، وكثير من المؤشرات الرقابية الأخرى التي لا حصر لها في هذا المقام.
لا خلاف أبدا على أحقية رجال الأعمال وكبرى منشآت القطاع الخاص في تعيين من يشاؤون على إدارة ثرواتهم وأعمالهم من غير المواطنين، لكن في المقابل لا أجد ردا مقنعا من أي منهم بحال توافر المواطن أو المواطنة الموفي بنفس مؤهلات تلك المناصب، وأحيانا قد تجده يمتلك تأهيلا أعلى حتى من منافسه الوافد! أعلم أنها منطقة من الحوار والجدال الممتلئة بالضبابية أكثر من الوضوح، ولن يصل أي طرف من الأطراف في هذا السياق إلى نهاية مقنعة للجميع، إلا أن يبادر رجال الأعمال وكبار ملاك منشآت القطاع الخاص، بتبني فكرة دعم إخوانه وأخواته من أبناء وطنه، وأنهم أولا وآخرا الاستثمار الأهم، ولا يوجد أدنى مبالغة في هذا السياق، أو مثالية ليست في محلها، وسيكتشف رجل الأعمال هذا الأمر على حقيقته، إذا ما نظر إلى مثلائه في بقية أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص لدى شركائه التجاريين الذين يتعامل معهم لأجل تطوير أعماله وتجارته، وكيف أنهم أنفسهم يؤدون ما يعتقدون أنه واجب وطني بالنسبة لهم، حينما يتبنون أبناء جلدتهم ويمنحونهم الفرصة الكاملة، بل ويتحملون دون أي ضغوط خارجية تكاليف تدريبهم وتأهيلهم!
قبل كل هذا؛ أليس من الأحرى أن يتذكر رجال الأعمال بيننا الدعم الحكومي الذي حظي كل واحد منهم به في بداية تجربته؟ وأن ردا لجزء يسير من هذا الجميل، يمكن أن يأتي عبر دعم وتشجيع أبناء وبنات وطنه، وأن يتذكر في كل لحظة من نعماء ما هو فيه من رخاء العيش، أنه لم يكن ليتحقق بعد توفيق رب العالمين، لولا دعم الدولة بجميع أشكاله الذي حظي به في بدايات عمر التنمية، وهو السبب الذي لا يلغي أبدا كفاءة وأهلية وطموح أي من رجال الأعمال بيننا، وهو أيضا السبب والدعم لا يمكن لأي رجل أعمال إنكاره.
إن على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والأجهزة التابعة لها، القيام بأدوار أكبر مما قامت وتقوم به حتى الآن على مستوى حماية العمالة الوطنية، من العواصف اليومية التي تواجهها دون أن يعلم بها أحد من العالمين، وضرورة ردع أي ممارسات تستهدف (تطفيشهم) من أعمالهم ومصدر دخلهم. يمكن لها في هذا الخصوص ابتكار عديد من البرامج الوقائية قبل أن تكون رقابية؛ بتأسيس مركز اتصال لحماية العمالة الوطنية من أي ممارسات قسرية محتملة، تستقبل من خلاله شكاوى العمالة الوطنية في سرية تامة، تتولى الوزارة فورا الاستجابة لتلك الشكاوى، والعمل على تسويتها في حال ثبوتها، أو تسويتها مع المتقدم أو المتقدمة بالشكوى إذا ما ثبت أنها كيدية بطريقة لا تلحق به أو بها الضرر البالغ، الذي قد يفقده عمله ومصدر دخله، وهذا لا يدخل في نطاق (الدلال الوظيفي) كما قد يعتقد البعض، بقدر ما أنه في المنظور العام، لا يتعدى كونه أداة تستهدف حماية العمالة الوطنية من أي ممارسات تعسفية محتملة، وهو الهدف الرئيس من إيجادها، أخذا في الاعتبار احتمال استغلالها من قبل بعض المواطنين أو المواطنات، ولا يتجاوز الأمر هنا كونهم (الاستثناء) أو (ضريبة) وجود تلك الأداة، بينما الاعتداد في هذا المقام منصب على من يعتبرون هم (القاعدة)، وأنه مع مرور الوقت وارتفاع الوعي الوظيفي وتراكم الخبرة والتجربة لدى العمالة الوطنية، من شأن تلك الشكاوى الكيدية أن تنخفض إلى أدنى مستوياتها، خاصةً إذا ما أثمرت جهود وبرامج حمايتها في الأجل الطويل، ليصبح أحد أهم عناوين بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص؛ الأمان والاستقرار الوظيفي المقترن بارتفاع الإنتاجية وكفاءة التشغيل، وللحديث بقية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

arrow up