رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

من يسبق الآخر تحت مظلة البيع على الخريطة؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أقر قبل أمس مجلس الوزراء ضوابط بيع أو تأجير وحدات عقارية على الخريطة، متضمنة شرط (أن على كل من يزاول أيا من الأنشطة المشمولة بالضوابط التقدم إلى اللجنة المختصة في وزارة الإسكان المشار إليها في الضوابط لتعديل أوضاعه بما يتفق مع هذه الضوابط، وذلك خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نفاذها)، ويتلخص برنامج البيع على الخريطة، الذي يطلق عليه (وافي) في تسويق وبيع الوحدة العقارية قبل أو أثناء مرحلة التطوير أو البناء، من خلال وضع وصف المخطط النهائي أو نموذج لشكل المبنى في صورته النهائية بعد عملية اكتمال التطوير أو البناء، والتزام المطور العقاري بالتنفيذ وفق النموذج والمواصفات المتفق.
وتستهدف وزارة الإسكان من هذا البرنامج تحقيق الأهداف التالية: خفض تكاليف تملك الوحدات العقارية، وحفظ حقوق المشترين من خلال الأنظمة والإجراءات التي تكفل ذلك، ورفع مستوى الشفافية في السوق العقارية، وتطوير وتحفيز روح المنافسة بين المطورين من خلال نظام التصنيف، والإسهام في زيادة المعروض من خلال تنمية المشاريع العقارية، وتعزيز مقدرة شركات التطوير للتحول من العمل الفردي إلى المؤسسي، والأهم هنا الحد من عمليات المضاربة المؤثرة سلبا على أسعار العقار، إضافة إلى الحصول على وحدات عقارية تمتاز بجودة عالية.
في ظل ضعف قنوات التمويل العقاري على وجه الخصوص، وتضاؤل السيولة المحلية وقنوات التمويل عموما، وتحت ضغوط بدء انخفاض أسعار الأراضي والعقارات، والركود العقاري الكبير الذي يدخل عامه الثالث على التوالي، إضافة إلى بدء تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء أخيرا، كل تلك العوامل أو الضغوط المجتمعة على ملاك الأراضي، وهم الذين ظلوا عقودا زمنية طويلة في بحبوحة من أية ضغوط أو إجراءات تدفع بهم إلى إحياء وتطوير ما في ذممهم من مساحات شاسعة من الأراضي، سنجد أنهم أكثر المستفيدين من هذا البرنامج الجديد، مقارنة بالباحثين عن تملك مساكنهم.
وهو مخرج جيد لملاك الأراضي للهروب من مقصلة الرسوم على الأراضي أولا، وثانيا لمن تمكن قبل غيره من ملاك الأراضي بالحصول على التراخيص اللازمة للتخارج من الأراضي المملوكة لديه، خاصة في بداية منعطفات انزلاق الأسعار السوقية، التي بدأت تتراجع ويتوقع أن تتراجع بصورة أكبر في منظور الأعوام القليلة المقبلة، وما يزيد من قناعة تسارع انخفاض أسعار الأراضي والعقارات في الوقت الراهن ومستقبلا، ارتفاع الإقبال من قبل ملاك الأراضي على هذا المخرج، فوفقا لتصريح أمين عام برنامج البيع على الخريطة بوزارة الإسكان، أن عدد المشاريع الحاصلة على تراخيص منذ إطلاق البرنامج بلغ 52 مشروعا، 11 مشروعا منها اكتملت أعمالها، وجار في الوقت الراهن تنفيذ 39 مشروعا، ويقع في مرحلة الضمان مشروعان اثنان في الوقت الراهن، ويتوقع إقبال المزيد من ملاك الأراضي على هذا الخيار الجديد المطروح من قبل وزارة الإسكان.
الآن تكاد تكتمل صورة المشهد العقاري المحلي؛ تراجع مستمر في السيولة المحلية، انكماش في القوة الشرائية للأفراد، تزايد اندفاع ملاك الأراضي بالإفراج عنها وتحريرها، والدفع بها إلى منصات التطوير والتشييد والبناء ومن ثم البيع، تناقص أعداد طالبي تملك المساكن نتيجة لما تقدم، تراكم مخزون هائل من الوحدات السكنية الشاغرة من السكان، يقدر تجاوزها لـ 1.5 مليون وحدة سكنية شاغرة، تعاظم تطبيق نظام الرسوم على الأراضي عاما بعد عام، ارتفاع وعي أفراد المجتمع بتطورات السوق العقارية، وزيادة قدرتهم التفاوضية على كسر الأسعار المتضخمة، كلها عوامل واعتبارات لم يعد في مقدرة ملاك الأراضي الهروب منها أبدا، ليصبح منطق السوق العقارية المتجه إلى مزيد من المنافسة، مقارنة بأحوالها سابقا التي كانت خاضعة للاحتكار والمضاربة فقط، أقول ليفرض هذا المنطق الجديد للسوق نفسه على الجميع دون استثناء.
إن مجرد التفكير في حالة الاندفاع الكبير للبائعين، سواء بائعي الأراضي فقط، أو بائعي المخزون الهائل من الوحدات السكنية الشاغرة (1.5 مليون وحدة سكنية شاغرة)، أو من استطاعوا قبل غيرهم من ملاك الأراضي سرعة تطوير أراضيه الشاسعة، والدفع بها إلى منصة البيع، يكفي القول إن هذا التسارع في عمليات البيع والتخارج، كفيل بأن يهبط بمستويات الأسعار المتضخمة جدا إلى أقل من نصف مستوياتها في أقل من 12 إلى 18 شهرا مقبلا، ثم سرعان ما سنرى مزيدا من الانكسارات السعرية في تلك المرحلة الزمنية إلى ما يقارب انخفاضها بـ 75 في المائة مقارنة بأسعار اليوم، بعد انخفاض حجم الطلب المتكدس في الوقت الراهن بأكثر من 50 إلى 70 في المائة، الذي بدوره سيقود قوى العرض والطلب في منظور الأعوام الثلاثة المقبلة إلى توازن أفضل بكثير مما هو عليه في الوقت الراهن من اختلال كبير جدا، عوضا عن أن بقية الضغوط على الأسعار والاحتكار بالدرجة الأولى، ستتضاعف مستقبلا؛ خاصة ما يتعلق بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، التي سيأتي الوقت الذي تطبق يديه على أغلب الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، من مساحة خمسة آلاف متر مربع فأكثر (مطور، خام)، وفي تلك اللحظة التي يمكن قراءتها مسبقا في ميزان توقعات الأفراد حتى المستثمرين تجاه مستقبل الأسعار السوقية، التي تميل هنا دون أدنى شك نحو الانخفاض الشديد، سيتم التفاوض بين المشترين والبائعين في المراحل الزمنية السابقة لتحققها على أساس تلك التوقعات، وهو بدوره ما سيسهم في تسارع وتيرة انخفاض الأسعار بمشيئة الله تعالى.
على هذا الأساس؛ يفضل للأفراد الباحثين عن تملك مساكنهم، الاستفادة القصوى من هذه التطورات، وتوظيفها بكل قوة في ميزان مفاوضاتهم مع أرتال البائعين الهاربين من مقصلة الرسوم على الأراضي والانخفاض المستمر في الأسعار، عدا هروبهم شبه الجماعي واتساع عمليات تخارجهم من ملكيات تلك الأراضي، أؤكد أن عليهم توظيف تلك التطورات في ميزان مفاوضاتهم حين الشراء، وأن القوة والوقت في مصلحتهم هذه المرة، مقابل انعدام تلك الامتيازات إلى حد بعيد بالنسبة للبائعين! وسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال، الذي قدر أن يأتي فيه الزمن الذي يطارد البائعين بحثا عن مشترين، على عكس أزمان مضت كان البائع يؤجل قرار البيع يوما بعد يوم، وعاما بعد عاما، طمعا في استمرار الأسعار بالارتفاع، وها هو اليوم يركض لاهثا بحثا عمن يشتري منه أرضه اليوم قبل الغد، وبسعر كان مستحيلا أن يقبل به في الأمس القريب. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

arrow up