رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

نمو فرص الشباب بوابة نمو الاقتصاد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تشكل الفئة الشابة تحت سن الثلاثين في المجتمع السعودي أعلى من 60 في المائة، وترتفع إلى ثلاثة أرباع المجتمع إذا ارتفعت الشريحة العمرية إلى 40 عاما فما دون، في تلك الشرائح العمرية تكمن القوة الأهم للموارد البشرية كما ونوعا، وفيها أيضا تكمن أغلب تحديات التنمية المحلية، بدءا من تقلص فرص العمل وشح قنوات دعم وتمويل مبادرات مشاريع وأعمال فئات الشباب، مرورا بغياب قنوات استثمار تلك الشرائح العمرية لقدراتها وطاقاتها وتحقيق أحلامها علميا وعمليا، انتهاء بضعف فرص تحسين مستويات دخلها المعيشي، والصعوبة التي تكاد تصل إلى المستحيل بتملكها مساكنها قياسا على مستوى دخلها الشهري، والغلاء الفاحش الذي وصلت إليه إيجارات المساكن أو أسعار شرائها.
إنها تطورات ديموغرافية تشكل في حقيقتها أنماطا عديدة من الفرص والتحديات على حد سواء، التي يقتضي النجاح في الاستفادة القصوى منها بمواجهة تحدياتها. يقتضي هذا الجهد الحضاري توافر أطر وسياسات وآليات على قدر رفيع من الديناميكية والحيوية، أكبر في مستواها من كل ما يبذل في الوقت الراهن من جهود مضنية، تأخذ في عين الاعتبار ضرورة توظيف تلك الموارد البشرية الهائلة في القنوات التنموية المجدية.
إننا بحاجة ماسة إلى فتح أكبر عدد ممكن من قنوات استثمار ومشاركة هذه القوة البشرية في تنمية مقدرات الاقتصاد والمجتمع دون تأخير أو قصور، لعلنا لمسنا جزءا مريرا من تجاربها سابقا. ما الذي نهض بمقدرات الأمم المتقدمة اليوم، وجعلها في قمة التطور الحضاري العالمي، وفي قمة التأثير الاقتصادي والصناعي، غير تلك الفئة من المجتمع حينما أحسن استثمارها، وفتحت أمامها الفرص بأكبر قدر يقترب إلى الكمال؟
إنها حلقة متكاملة من التنمية المستدامة والشاملة، يفترض كي تنجح وتؤتي ثمارها اليانعة، أن تبدأ من الصحة مرورا بالتربية والتعليم والتأهيل، وقنوات الترفيه والرياضة، واستثمار أوقات الشباب في كل ما يصقل شخصيته ويقويها، وانتهاء بتوفير فرص العمل الكريمة، التي تكفل لهم القدرة الكافية على تحقيق استقرارهم المعيشي والاجتماعي اللازم، وترتبط ببقية الحلقات الأخرى التي لا تقل أهمية عن السابقة، التي تتعلق بتعزيز المشاركة في تنمية الدولة والمجتمع والاقتصاد الوطني، التي من أهم أولوياتها، أن تكون مؤهلة في المستقبل لأن تتولى تطوير وتنمية الحلقة الأولى المذكورة أعلاه، لتستمر جهود ومشروعات العناية والاهتمام بالأجيال القادمة، وفي الوقت نفسه تتولى أعمالا قيادية بما يدفع نحو المقدمة والتنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.
إنها حلقات تنموية مترابطة تماما وإن تم فصلها هنا في أثناء الحديث والتحليل، ولا يمكن على الإطلاق أن ينجح أي عمل منفصل يتركز على حلقة دون الأخرى! إذ إن فشل إحداها قد يؤثر بشكل كبير في حلقة أو حلقات أخرى. فما الفائدة التي يأملها أي مجتمع كان من أجيال تم الإنفاق على تعليمها وتأهيلها بصورة عالية، ثم لا تجد لها فرص عمل توفر لها شروط الحياة الكريمة والكاملة؟ وما الفائدة كذلك من اكتمال تلك الحلقة الأولى التنموية التي ترفع وعي المجتمع وأفراده وشبابه، ثم لا يجد القنوات المتاحة التي يمكن من خلالها مشاركته الحقيقية في تنمية مجتمعه وبلاده؟
إن أي انسداد في طريق السماح بتطور أي من تلك القنوات، وقبلها بتطور دور الفئات الشابة التي تشكل عصبها الحيوي، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية. المسألة هنا ليست انتقائية؛ تأخذ ما تشاء وتترك ما لا تشاء، وفي هذا كثير من العبر لمن ألقى السمع وهو شهيد، فبإمكانه رؤيتها ومشاهدتها حوله في عديد من المجتمعات.
لا بد أن تستغل الإمكانات والموارد المتوافرة لدينا اليوم لأجل فتح الطرق على أوسع أبوابها أمام القوة الفتية في مجتمعنا، ولا بد أن تترجم "رؤية المملكة 2030" في هذا الخصوص على وجه التحديد بأعلى وأقوى ما يمكن من برامج تنفيذية حقيقية، وبالنظر إلى المجالات التنموية العديدة والكثيرة التي من الممكن عملها في الوقت الراهن ومستقبلا، يفترض أن تتحرك الأجهزة الحكومية والأهلية بمزيد من النشاط والمبادرات، التي تتوحد أسسها وأهدافها على حد سواء عند أهمية منح شباب المجتمع السعودي أكبر قدر ممكن من الدعم بمختلف أشكاله، وعلى مستوى الإجراءات وفي مختلف مستويات وجودها ومشاركتها اقتصاديا وماليا واجتماعيا حتى على مستوى المشاركة في صناعة القرار. علينا إكمال ما تم إنجازه، لكن بخطى أسرع وأكثر جرأة، وعلينا أن نفسح مجالا أكبر وأرحب للشباب، وفق منهجية عمل دقيقة ومدروسة مستمدة من "رؤية المملكة 2030"، والابتعاد قدر الإمكان عن الاجتهادات والتجارب قليلة الخبرة، وأن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد والأهمية، وألا يتقدم أمر آخر عليه. والله ولي التوفيق.
 
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up