رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

ديمقراطيّة بالتقسيط المريح..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

التحوُّل السياسي في المنطقة العربية في مطلع الألفية الثالثة كان على مستوى القشرة، إذ لم يتجاوز السطح، فيما «العمق» بقي «شاغراً» كما كان عليه الأمر قبلاً، ذلك أنّنا (شكليّون) إذ نصرفُ عنايتنا الكبيرة بالاتجاه نحو ما كان له «جلبة» و»قعقعة» ولسنا حفيّين بالمرة بما يُمكن أن يكون «جوهراً» في «المسألة الديمقراطية» والسعي الحثيث في المحاولة الجادة إلى اجتلابها شيئاً فشيئاً إلى المنطقة! ذلك وأنّ ومَن ابتغى «الديمقراطيّة» دفعةً واحدةً كان فيها «هلاكُه» بأسرعَ ممن يتجرّع «السُّم» مرّة واحدة.. وليس بخافٍ أنّ اليسيرَ من «الديمقراطية» يأتي على نحوٍ مُتدرّجٍ خير من جرعةٍ «ديمقراطيّة» كبيرةٍ يلقى فيها المهووسون بـ «الديمقراطية» حتْفَهم! (ولن يجدوا إذ ذاك مَن يُسمّي عليهم) وأيّاً يكن الأمر.. فإنّ الناسَ سيُفيقون ذات صباحٍ ليكتشفوا أنّ شكلَ «السّلطة» اختراعٌ بشريٌّ بامتياز ما يَعني أنّه و»الديمقراطيّة» ليست حالة مقدسةً يحرمُ الاقتراب منها وما هما بـ «الحق الإلهي» الذي ليس يصحّ مساساً بهما مُعالجةً/ وتغييراً!
أما – أنت يا من تقرأني – فإنّ حُريّتك ستتأكّدُ كُلّما أفلحت في أن تُقدذم نفسك بوصفك «مواطناً» قد فَقِهَ جيداً بأنّ لـ «الديمقراطية» وجهين لا ثالث لهما وهما: السيادة الشعبية – ليست افتئاتاً على الله تعالى في تشريعه – وحقوق الإنسان وأنّ الفصل بينهما يُعدُّ حُكما بوأد «الحقوق» المدنية أولاً ثم الحقوق الاجتماعية والثقافية أيضاً..!
ولئن لم يشعر المرءُ بأنّه مسؤول – بأي معنى – عن حُسن سير المؤسسات التي تحترم حقوق الإنسان وتسمحُ له تالياً بالتمثيل الحقيقي للمصالح المشتركة فإنه لن يكون «مواطناً» ذلك أنّ «الهامشيّة» التي قد يجد نفسه في قاعها هي المسؤولة إذ ذاك عن نقض فكرة «المواطنة» ذلك أنّ الوعيَ بـ «المواطنة» هو وحده من يأذن بإعادة اللحمة إلى وِحدة المجتمع وعلى إثرها تتحطّم أقانيم الصراعات بين الطباقات الاجتماعية على النحو المنهك لـ «الوطن» ومكتسباته.!
يُضاف إلى ذلك: أنّه من المتعذّرِ بالمرّة أن نتصوّر «ديمقراطيّة» دون مُناخٍ صحيٍّ يُمكن من خلاله الإصغاء إلى الآخر والاعتراف به. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- «يا مالك إنّ الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخَلْق».
ولمن يضيق بـ «الديمقراطية» اسماً/ ومصطلحاً يمكن القول له ثانيةً». لكم نتمنى أن تتّسع مداركه عسى أن يتمكّن من الفصل فيما بين الديمقراطية في دالها «الأيديولوجي» والديمقراطية بوصفها «أداة» وسيلة تنظيمية ليس غير إذ يتم التعامل معها على اعتبارها نازلة/ يُمكن أن يُنظر لها من قبيل «المصالح المرسلة» ولهذا فقهٌ ليس هاهنا موطن لبسطه.!
في حين تبقى»الشورى» عقيدة وخلقاً وسلوكاً اجتماعياً أوسع بكثير من «الديمقراطية» التي لا تخرج عن كونها نمطاً تنظيمياً ذات آليات/ وأدوات ليست بالضرورة أن تتعارض وما عليه «المسلم» من عقيدة وبخاصةٍ في باب «إن الحكم إلا لله».!
ومن المهم بمكان القول بأنّ الوثنيّة اليونانيّة لم تُنتج «الديمقراطية» ولا «العلمانية» الحديثة هي من قد أنشأت «الديمقراطية» وليست «أوروبا» من كانت وراء صناعة «الديمقراطية» كلّ ما في الأمر أنّ «الديمقراطية» تزامنت بشكلٍ أو بآخر مع تلك المراحل التاريخية أو أنها – من جانب آخر- قد تكوّنت عبر تلك «الجغرافيا» أو بين أعطاف تلك «التضاريس» فالمسألة إذن لا تعدو أن تكون ترافقاً تاريخيّاً/ او استصحاباً جغرافياً/ مكانيّاً.
غاية القول: ليس القول في «الديمقراطية» هاهنا انحيازُ – والعياذ بالله إلى حكم الجاهلية – وإنما هو قول: بالديمقراطية باعتبارها «تنظيماً» مشاعاً لـ «البشرية» إذ بدت عالميةً في مضمونها من حيث التركيز على حرية الفرد وكرامته والمساواة بين البشر وأحسب أنّ كليّات «مقاصد القرآن الكبرى» إنما جاءت لتحقيق تلك الغايات ما يعني في سياقنا هذا بأنّه لا بدّ من استحضار قاعدة (لا مشاحة في الاصطلاح). خلاصة ما يمكن قوله:
التأكيد على أنّنا لم نتهيأ بعْدُ إلى «ديمقراطيّةٍ» كاملة (الدّسم) فدعونا إذن نشتغل على إنسان – وطننا العربي – ابتغاء أن نخلق لديه القابلية لـ «ديمقراطيّة»(دايت) يأخذها بشيءٍ من التقسيط المريح شيئاً فشيئاً إذ إنه لا «ديمقرطيّة» راسخة إذا لم تكن ثمّة إرادة «حرية» شخصية من شأنها أن تواجه كل المتغيرات التي تجعل منه «مواطناً» مشاركاً لا «فرداً» مستهلكاً.
نقلا عن "الشرق"

arrow up