رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

اقتناص القرار الرشيد لتملك المسكن

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

استكمالا للجانب الأهم بالنسبة للباحث عن تملك أرض أو مسكن خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، قياسا على التطورات الجارية والمرتقبة في السوق العقارية، التي خلصت في المقال السابق إلى أن السوق مقبلة على مواجهة اندفاع أكبر نحو التطوير أو نحو البيع والقبول، مقارنة بما شهدته طوال العامين الماضيين، تحت خضوع أكبر للأسعار السوقية المتضخمة لسيطرة المنافسة، وما سيقابلها من ضعف كامن لقوى الطلب الفعلي، من حيث مستوى الدخل أو القدرة الائتمانية للأفراد. لن تجد السوق العقارية مخرجا لها من حالة الركود المخيمة عليها الآن إلا عبر مستويات متدنية للأسعار، والضرورة القصوى بالنسبة للمشتري المحتمل وفق هذه المعطيات، أن يدرك أولا: أن الأمور وفق هذا السيناريو تسير في مصلحته على العكس تماما من السابق، وثانيا: أن عليه توظيف هذه المعطيات عن ثقة تامة بمصلحة قدرته التفاوضية حال الشراء، وهو ما سأستعرضه بالتفصيل في هذا الجزء حسبما ذكرته في نهاية المقال السابق.
يكمن أكبر اختلاف في أحوال السوق العقارية اليوم، مقارنة بسابق عهدها، في عديد من المحاور، لعل من أبرزها: (1) انتهاء عهد امتلاك الأراضي لمجرد اكتناز الأموال والثروات فيها، بعد أن أصبحت خاضعة للرسوم عليها، بمعنى أنها أصبحت تتحمل أعباء تكلفة على عكس الماضي. (2) الضعف الكبير لعمليات المضاربة والمتاجرة على المساحات المحدودة من الأراضي المتاحة للتداول، التي كانت تنشط سابقا على ثقة كبيرة بارتفاع أسعارها مستقبلا، وجني المكاسب المضاعفة من وراء تلك العمليات. (3) تطور وتعدد بدائل الاستثمار الأخرى محليا، وزيادة الإقبال عليها، التي كانت سابقا أضعف بكثير من أن تنافس مجرد شراء أراض وانتظار ارتفاع أسعارها مستقبلا دون أية تكلفة، بمعنى أن المحفزات الأكبر في الوقت الراهن أصبحت تميل لكفة الإنتاج والتشغيل، مقارنة بالأنماط السابقة للاستثمار أو المضاربة، التي زادت من تدفقات الأموال على الأراضي، دون أية قيم مضافة تتحقق للاقتصاد الوطني. (4) حتى مع عودة الاستقرار للأسعار العالمية للنفط، وتخفيف الضغوط على المالية الحكومية ومستويات السيولة المحلية، لن يؤدي ذلك إلى عودة الأموال للاستثمار أو المضاربة على الأراضي، نتيجة الاختلاف الجذري للوضع الراهن للسوق العقارية (الرسوم على الأراضي) عن السابق، فسيد الموقف الآن في السوق العقارية، وعامل التفوق والبقاء أصبح محصورا في جانب التطوير والإحياء والتشييد، والتنافس على تقديم أفضل المنتجات العقارية بأفضل الأسعار التنافسية. (5) ارتفاع درجات الانضباط التمويلي، وأخذها بعين الاعتبار لمعدلات المخاطرة أكثر من السابق، وهو الأمر الإيجابي جدا الذي سيحمي السوق والمجتمع من عودة الارتفاع غير المبرر في الأسعار السوقية للأصول العقارية.
ماذا يعني كل ما تقدم بالنسبة للمشتري المحتمل، سواء لأرض أو لمسكن؟ يعني باختصار شديد، أن جانب عرض الأراضي والعقارات الذي كان إلى وقت قريب تحت سيطرة شبه تامة من قبل الملاك، والقوى العقارية التقليدية ممثلة في السماسرة والمسوقين العقاريين، قد انفرط عقده تماما، لتتحول موجة السوق العقارية تحت المعطيات المشار إليها أعلاه نحو التطوير والبيع أكثر من أي عامل آخر.
إليك هذا المثال التطبيقي للإيضاح؛ سابقا كان المستثمرون والمضاربون في الأراضي يسابقون المشتري النهائي على شراء الأرض، ونتيجة للمزايدة على الأسعار كانت الكفة تميل للمستثمرين والمضاربين على حساب المشتري النهائي المحدود القدرة، الذي يضطر لاحقا للشراء من المستثمرين أو المضاربين بضعف السعر أو أكثر، واضطراره للاقتراض المصرفي لأجل الشراء. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن اتجاهات السوق العقارية خلال تلك الفترة، كانت ترجح ارتفاع الأسعار نظير ارتفاع قوة الطلب الممتلئة بكثرة المشترين (مستثمرين، مضاربين، مشترين نهائيين)، مقابل ندرة في البيع نظير الارتفاع المطرد في الأسعار، أفضى بدوره في زيادة رغبة الاحتفاظ بالأراضي والعقارات من قبل الملاك.
كل هذا أصبح في طي التاريخ، واختلف وضع السوق في الوقت الراهن 100 في المائة، وأصبح البائعون (مرجحين بأعداد الأراضي والعقارات المعروضة للبيع) أكبر بكثير من المشترين، واختفى على وجه الخصوص من فريق المشترين النوعان الأقوى ماليا (المستثمرون، المضاربون)، ليبقى شبه وحيد في جانب طلب الشراء الحقيقي "المشتري النهائي"، وهو الطرف الذي لا يمتلك أبدا القدرة الشرائية المتوافرة لدى المستثمر أو المضارب، وهذا ما يضعف بدرجة كبيرة من وزنه كمحفز لاستقرار الأسعار، أو حمايتها من الانخفاض، دع عنك استبعاد أن يسهم وجوده بأي حال من الأحوال في رفع الأسعار كما كان يحدث سابقا.
إذن اليوم نحن في مواجهة وضع للسوق العقارية، يكشف عن مطاردة أكبر من عروض بيع الأراضي والعقارات، تفوق في حجمها وكميتها أضعاف عروض الطلب! أي أصول عقارية بأعداد هائلة ومتضخمة القيمة، تطارد قوى طلب محدودة الدخل والقدرة الائتمانية. هذا يعني وفقا للنظرية الاقتصادية انطفاء الأسعار، وتدحرجها زمنيا نحو الانخفاض أكثر، وزيادة ضغوط البيع على الملاك هربا من مزيد من الانخفاض، مقابل شبه إحجام من قوى الشراء طمعا في مزيد من الانخفاض، وهو المنطق المسيطر في أي سوق مهما كانت، ولا قبل لأي طرف من أطراف السوق أن يتمكن من التصدي له.
بناء عليه؛ سيكون متاحا أمام المشتري النهائي وفق هذه المعطيات، تحقيق هدفه بامتلاك أرض أو مسكن وفق التالي: (1) تدوين الأسعار ومقارنتها مكانيا وزمانيا، لتتأكد لديه نسب انخفاض الأسعار، ومن ثم مقارنتها وفق قدرته المالية، والاعتماد بدرجة أكبر على البيانات المصدرة من قبل وزارة العدل على موقعها الإلكتروني، إضافة إلى ما يحصل عليه مباشرة بنفسه من عدة مكاتب عقارية مختلفة لا مجرد مكتب واحد. (2) التسلح بتلك المعلومات في المفاوضات مع البائع أو السمسار، والاعتماد عليها أثناء تحديدك لسعر الشراء، وتمسك به لفترة محددة، تمنحها للبائع للقبول بها خلالها، وأنك ستقوم بخفضه بنسبة أكبر بعد انتهاء هذه الفترة. (3) الحذر الشديد من أي إغراءات قد تكون خادعة للتمويل أو الشراء بما يخالف المعطيات الراهنة للسوق، أو للأسعار والمعلومات المدونة لديك. والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up