رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

السلفية سلفيّات والسلفيات مذهبيّة والمذهبيّة مذهبيّات وفرق!..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ليس بالإمكان أن تفهم عمن يتحدّث عن «السلفية» ما لم تستوقفه لأكثر من مرةٍ فتسأله: عن أيّ سلفيّة تتحدّث يا هذا؟! ولئن أجابك بشيءٍ من قلقٍ (معرفيٍّ) عمن أراد بـ «السلفية» التي عنها يَصدر في تقريراته/ ومواقفه! فإنه لا يلبث أثناء حديثه أن يُخفقَ كرّة أُخرى في إزالة اللبس الدلالي الذي أحدثه المنتمون لكل مدرسةٍ سلفية على النحو الذي استحالت فيه «السلفية» شعاراً يتجاذب ألويتها «الفرقاء» كلّ حزبٍ يشغب على الآخر بتحريضٍ من «سلفيّته» التي هي بضرورة المحاججة غير «سلفيةِ» مَن يُخاصمه بدفعٍ من «سلفيةٍ» ثالثةٍ هي ليست تُشبه «السلفيّتين» التاليتين.. وهكذا حتى يكون كلّ واحدٍ من هؤلاء «الفرقاء» هو السلفي وحده بينما «الآخرون» خلفٌ تلف (لا يجد أدنى غضاضةٍ في أن يُؤكّلهم العلف)! كان البدء مع ثلاثيّة سلفية متآخيةٍ ذات بُعدٍ «منهاجيٍّ» في التعامل مع «النصوص الشرعية» وتحرير فهومها ثم توسّلها لصناعة «الفتوى» وفق مدارس ثلاث – وسمّها إن شئت مذاهب على اعتبار ما سيكون فيما بعد – أولا: مدرسة ابن عمر «العزيمة» ثانياً مدرسة ابن عباس «التيسير» ثالثاً مدرسة ابن مسعود «كانت وسطا فيما بين الثنتين»! وعن هذا التقسيم تناسلت المذاهب السنة ما بقي منها – كالأربعة – وما اندثر منها مذهب الثوري والأوزاعي والطبري. وفيما بعد هذه القرون الثلاثة المفضلة انخرط ما انتظم من العِقد «السلفي» إذ دخل «السياسيُّ» على الخط «السلفي» بشكلٍ سافرٍ بلغ حدّاً كان من شأنه أنّ أنشأَ في عقبٍ كلّ صراعٍ «سياسيٍّ» جيوباً «سلفيّةً» كان الأصل في «منهجيّاتِها» التنازع الذي سينشأ عنه بالضرورة «انقساماتٌ» داخليّةٌ لا تفتأ – هي الأخرى – تترشّح في أن تُفرزَ توجّهاتٍ تحتقِرُ سابقاتِها ثم لا تلبث هذه الأخيرةُ أن تنعتَ نفسها بـ«الطائفة المنصورة» وليس لأيّ تجمّعٍ آخر أن يُنازعها «اللقب» تاركةً مَن دونها من «جماعاتٍ» تتنافس على لقب «الطائفة الناجية» في مشهدٍ فوضويٍّ يحضرُ فيه «التاريخ» بعنفوان جبروت «سلطانه» على الذين لا يرجون الله ولا الدار الآخرة ويغيب فيه «العقل» فيما الرّدُ ليس إلى «المتن» حيثُ كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يكون الرد عند الاختلافِ إلى «هوامش» خطّها مَن لا عصمة لهم في سياقٍ من علومٍ – يقول عنها ابن رجب في كتابه «فضل علم السلف على علم الخلف» – إنها تُكسب (صاحبه الزهو والفخر والخيلاء وطلب العلوم والرفعة في الدنيا والمنافسة فيها وطلب مباهاة العلماء ومماراة السفهاء وصرف وجوه الناس إليه…. وعدم قبول الحق والانقياد إليه والتّكبر على مَن يقول الحق خصوصاً إن كان دونهم في أعين الناس.. وهذا بخلاف ما كان عليه السلف من احتقار نفوسهم وازدرائها باطناً وظاهراً) ولقد جرت محاكم «تفتيشٍ» قامَ بها سلفيون بحق سلفيين آخرين راح ضحيّتها الإمام الطبري والنسائي وابن حبّان والقائمة أطول من أن تستوعبها هذه المساحة ذلك أنّ من كان حظّهم أن «قُتِلوا» تأوّلاً على أيدي «سلفيّين» آخرين لا يُمكن حصرهم وإنما المؤكد أنّ «التضيقَ» على جملةٍ منهم ومن ثَمَّ «القتل» لكثير منهم جاء بحجّة «مخالفتهم لما كان عليه السّلف»!! من أجل هذا أستطيع القول: إنّه ليس يصحُّ التعامل مع مصطلح/ لقب «السلفيّة» بوصفها (معنىً واحداً) يُمكن أن يُصار إليها عند تحريرٍ علميٍّ أو تحقيقٍ معرفيٍّ أو سبرٍ تاريخي ذلك أنّ «السلفية» باتت اسم جنسٍ يندرج تحتها أنواعٌ شتّى من «سلفيات» لا قِبلَ لأحدٍ على إمكانيةِ حصرها! هذا في حال انتسبت «السلفية» لمدرسةٍ واحدةٍ فكيف إذن و «السلفية» نفسها تتنازعها فِرقٌ على نحوٍ متباين من مدارسَ شتّى كلّ مدرسةٍ توشكُ أن تُخرجَ الأخرى لا من الانتساب للسلفية وحسب وإنما من «الإسلام»!! الأمر الذي من شأنه أن يؤجج «الصراع» العدواني (الداخلي) ويطيل أمده تنازعاً يأخذنا بعيداً حيثُ مهاوي ردى «الفشل» فذهاب الريح ما يُسهّل مهمة «الخارجي» لينالَ نصيبها من «قصعتنا». بقيَ لي التأكيد على أنّ حديث افتراق الأمة (ستفترق هذه الأمة..) طالما كان سبباً في تكريس الفرقة والمُضي بنا باتجاه (التنازع) ابتغاء الظفر بلقب «الطائفة الناجية/ والمنصورة» ولو جاء على حساب «وحدة الأمة» وتدمير إمكاناتِها! كما أنّه ليس بخافٍ على أن هذا الحديث (المعلول بقوادح متنيّة وإسناديّة) هو من مهَدَ الطريق لكُتب «الملل والنحل» أن تُحدث في «أمتنا» شرخاً ليس من السّهل لملمتُه ذلك أّنها – أي كتب الملل والنحل – هي الأخرى قد كُتبت بحسٍّ (طائفيٍّ) منحازٍ وفق منهجيّةٍ خذلها الانتماء الذي كان عليه المؤلف ذلك أنّه كان يكتب «انطباعياً» وبرؤية فرديّةٍ لم ينفكّ صاحبُها عن الظروف التاريخيّة التي صنّف فيها كتابه في «الملل والنحل» إذ جاءت هذه الكتب المعنية «بالملل والنحل» مثقلةً بأنساقها التاريخيّة فأسهمت بشكلٍ واضح – متوسّلة حديث الافتراق – على تكريس الفرقة وإشاعة ثقافة الخلاف وإذكاء الخصومة بين أبناء الأمة الواحدة! فضلا عن أنّها المسؤولة عن سهولة جريان «التكفير» ولوازمها على لسانِ كل أحد دون أي اعتبارٍ لأي ضابط/ من توافر شروطٍ وانتفاء موانع!! ومن هنا تجد أنّ العلماء المحقّقين لم يشتغلوا في تصنيف كتبٍ في «الملل والنحل» ويمكن لك أن تتبيّن حقيقة مّن انشغلوا تأليفاً في «الملل والنحل» وذلك من خلال قراءة ترجماتهم.
مَن يعرف إيهام الجماهير يصبح سيداً لهم، ومن يحاول قشع الأوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم غوستاف لوبون من كتابه المهم جداً: سيكولوجية الجماهير

نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up