رئيس التحرير : مشعل العريفي

كاتب سعودي : التقاعد مشكلة عالمية

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيفة المرصد : قال الكاتب محمد آل عباس، أن التقاعد يعد مشكلة عالمية، متناولاً فكرة التقاعد كما طرحها المستشار الألماني بسمارك في نهاية القرن الـ19، حيث كانت الفكرة بسيطة، وتتمحور حول التكافل، ذلك أن بسمارك ومعه الفلاسفة الألمان "والمدرسة المثالية كلها"، ترى من غير المقبول أن يبقى الناس في العمل حتى الممات.
راتب تقاعدي
وأضاف آل عباس عبر مقال له في صحيفة "الاقتصادية": " الجميع كان يعمل حتى تنهكه الحياة من أجل ضمان قوت يومه ومكان لينام فيه. وجد بسمارك "المثالي" الإجابة سهلة ومثالية، فيكفي أن نعمل إلى سن معينة ثم يتولى الآخرون الصرف علينا. وبمعنى أكثر وضوحا، على كل عامل أن يكفل شخصا أو أكثر ممن أصبحوا كبارا ولا يعملون، وفي المقابل يجب "وجوبا بالقانون" أن يتخلى الكبار عن فرص العمل للشباب الجدد."
وتابع : "هكذا اقتنع الناس، فمن يقتطع من راتبه لمؤسسات التقاعد، يضمن أمرين معا، الأول ضمان راتب تقاعدي عند كبر سنه، والثاني ضمان وظيفة يعمل فيها ابنه من بعده، وغالبا تكون وظيفته نفسها. ولتحقيق هذه الوعود، ضمنت مؤسسات التقاعد استثمارات جميع هذه الأموال في مشاريع إنتاجية تضمن زيادة فرص العمل، هل تبدو العلاقة متماسكة اقتصاديا؟ نعم، هي كذلك لولا التغيرات الديموغرافية التي تهدد العالم اليوم."
جنة التقاعد تتحول لمشكلة عالمية
وأشار آل عباس أن جنة التقاعد التي تنبأ بها بسمارك ومثاليته قد تحولت إلى مشكلة عالمية، فالدول الأوروبية في مجملها تواجه تلك التحديات، ولا تكاد تخلو صحيفة أو نشرة اقتصادية في كل دول الاتحاد الأوربي من مناقشة مشكلة التقاعد Pensions Crisis، فمن برلين عاصمة أنظمة التقاعد إلى روما، ومدريد، ومن هلسنكي في الشمال إلى لندن، تظهر أنظمة التقاعد وكأنها مشكلة بلا حل. فمثلا، أدت الإصلاحات التي يتزعمها الرئيس الفرنسي ماكرون، لحل قضية المعاشات التقاعدية إلى حزن عام في كل أوروبا، فرفع سن التقاعد أو خفض المعاشات أو زيادة الاشتراكات، كلها تمثل عناصر في معادلة محزنة، ولا بديل حتى الآن، فالواقع معقد، وهذا هو الوضع.
مشكلة الشيخوخة
وأوضح أنه في جميع أنحاء القارة الأوروبية تظهر مشكلة الشيخوخة وهناك تقارير تشير بأن أكثر من 18 في المائة من البريطانيين هم في سن 65 أو أكثر والنسب ترتفع ليصبح ثلث سكان تلك الجزيرة فوق سن 65 ويجب كفالتهم من قبل العاملين الشباب الذين يتناقصون باستمرار وهذا عبء مالي كبير ويتزايد. ولهذا، أوصت مراكز أبحاث تابعة لبعض الأحزاب البريطانية، برفع سن التقاعد. هذا الحل جاء بديلا لفكرة زيادة المساهمات التقاعدية من 8 إلى 9،1 في المائة التي واجهت أضرابا من بعض المهنيين.
وأضاف أنه في هولندا، التي يعد نظامها من أكثر الأنظمة سخاء في أوروبا كافة "يصل المعاش التقاعدي إلى 80 في المائة من آخر أجر"، أصبحت تخطط على خفض المعاش التقاعدي بنحو 10 في المائة في العام، والسبب مرة أخرى هو ارتفاع متوسط العمر مع انخفاض الدخل واستمرار ظاهرة انخفاض عدد المشتركين في مقابل زيادة أعداد المتقاعدين. البعض يعزو هذه المشكلة في أوروبا بالذات إلى "طفرة المواليد" الشهيرة في فترة ما بعد الحرب.
الوضع في ألمانيا والولايات المتحدة
وفي ألمانيا، تبدو الصورة أكثر تعقيدا رغم موجة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة في عام 2001 ثم عام 2003، وما تلا ذلك من جهود. ورغم هذا كله، ففي مسح أجراه بنك دويتشه واستطلاعات الرأي عام 2019، عن توقعات العاملين بشأن تقاعدهم، أجاب أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين، الذين تراوح أعمارهم بين 20 و65 عاما، أنهم يتوقعون انهيار نظام التقاعد في نهاية المطاف. هذه الصورة المثالية التي لم يخطط لها في مسارك، ومثاليو الفلسفة الألمانية، أو لنقل لم يتوقعوها. وإذا كان الصراع في الانتخابات الأمريكية يدور حول الضرائب، فإنه في أوروبا يدور حول إصلاح نظام التقاعد.
وفي الولايات المتحدة، الوضع شديد التعقيد، لتعدد نماذج التأمين بين تأمين النقابات وتأمين الحكومة وتأمين القطاع الخاص، وهناك عجز كبير في تأمين النقابات ومشكلة في العام، بينما 60 في المائة فقط يقومون بالتأمين على أنفسهم في القطاع الخاص. وهكذا، فلا تبدو صورة مؤسسات التقاعد وأنظمتها جيدة في العالم أجمع، لكن يقول المثل "الحمل الثقيل لا يكسر ظهرك، بل طريقة حملك له"، فمن يعتقد بأن سن التقاعد هو المشكلة، وأن ضعف إدارة الاستثمار هي القضية، فهو لم يحمل أثقال التقاعد بطريقة ستكسر ظهره في نهاية المطاف، فمن يفهم معنى التكافل كقضية مجتمع متراحم، يعرف أن المسألة قابلة للحل.
ما يحتاج إليه المتقاعد ليس مجرد راتب
واختتم مقاله قائلاً : " من حق أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع أن يجدوا ما يتناسب مع ما قدموه، لكن ذلك لن يكون فقط في رواتب تقاعدية، بينما قد يكون عليهم حمل كبير من الديون طويلة الأجل مع فائدة مركبة مع ارتفاع تكاليف المعيشة التي لا تخفى على أحد، كما أن معظم المتقاعدين لا يستفيدون من معظم الخدمات بالدرجة نفسها التي يستفيد منها الآخرون، ومع ذلك فهم يدفعون كما يدفع الآخرون. ما يحتاج إليه المتقاعد ليس مجرد راتب، بل حياة كريمة، لا يحتاج فيها إلى أحد ولا يلحقه عوز، وخدمات تتناسب تماما مع احتياجاته، ومع احترامه. والسؤال هو، كيف نحقق له ذلك؟ كلنا سنكون متقاعدين في يوم ما، ونريد أن ننعم بالهدوء في ظل خدمات تتحسن باستمرار، في مقابل كل ما تم دفعه من قبل. هذا هو الهدف بغض النظر عن الطريقة."

arrow up