logo
logo logo

سعار الأسعار عند التاجر السعودي

سعار الأسعار عند التاجر السعودي
الدولة لا تتدخل في الأسعار إلا في حالة السلع المدعومة حكومياً، وبعد الاتفاق مع التجار على أسعار معينة، وتعمـل على محاسبــــة المخالفين ممن يرفعون الأسعــــار بدون مبرر، أو لا يلتزمون بنظام حماية المنافســــــة، أو يبرمون اتفاقات مشبـــــوهة فيما بينهم..

يوم الثلاثاء 3 مايو الجاري، ناقش مجلس الشورى السعودي ملف السلع الأساسية، وطالب وزارة التجارة بوضع سقف لأسعارها، ومعها تأسيس جمعيات تعاونية للنفع العام، توفر الغذاء الأساسي للمواطنين بأسعار معقــــولة، بالإضافة إلى التنسيــــــق مع وزارة الشؤون البلديـة لتنظيم تأجيـــر محـــال التجزئة للمستهلكين، والتفــــاهم مع البنوك على تقديم حوافز تمويلية لتمكينهم من تملكها، وقد قُدم طلب مشابه وبتفاصيل أقل، وتمت الموافقــــة الشورية عليه في عام 2022، ومن ثم انقطعت أخبــاره، والاقتراحــــان يحـــاولان محاكاة تجرية الجمعيات التعـاونيــة في بعض دول الخليـــج، كالإمــــارات والكويت، والتي تتـــوجه لذوي المداخيل المحـــــدودة بدرجة أكبــر، وتبيع السلع الاستهــــلاكية الأساسية بسعر التكلفة وبهامش ربح بسيط، تستطيع من خلاله القيــــــام بواجباتها المجتمعية، ولا يوجد في المملكة إلا جمعية واحدة من هذا النوع، ومقرها مدينة حفر الباطن.

في بدايات 2023، كانت الارتفاعات واضحة في قطاعات الأغذية الأساسية، وبالأخص في الألبان والدواجن والمنتجات المصنعة في المملكة، وقد تمت بطريقة مريبة وفي وقت متقارب، ولدرجة ارتفـاعها معاً إلى ما نسبته 25 % من إجمـــــالي السلع الأساسية، وبأكثر مما كانت عليه في 2022، وتزامن الارتفاع مع إعلان منظمة الفاو الأممية، أن أسعار الأغــــذية العالميــــة تراجعت في مارس 2023، لما نسبته 20.5 %، مقارنة بأسعار الشهر نفسه في 2022، والأصعب أن قطاع الأغذية السعودي أعطي في يوليو 2022، دعماً حكومياً بقيمـــة ثلاثة مليارات دولار، والدعم كان لضمان استقـــــرار الأسعار، ولكن وعند النظر إلى الأسعار المحلية ومقارنتها ببعض الدول الخليجية، سنلاحظ أن السعر السعودي أعلى من الخليجي، وبمتوسط عام يصل لحوالي 24 %، وبعض المنتجات الوطنية أسعارها خارج الأراضي السعودية أقل بنسبة 30 %، واللافت اختلاف أسعار سلع متطابقة، وتحمل نفس العلامة التجارية، بين المحال في المدينة الواحدة، وأحياناً داخل الحي الواحد.

في السابق كانت سلة غذاء العائلة السعودية المكونة من أربعة أشخـــاص، لا تأخذ من راتب عائلها إلا 38 %، أما في الوقت الحالي، فقد وصل الرقم إلى 48 %، أو ما يعادل نصف الراتب، والمعادلة لا تدخل فيها بقية المصروفات الشهرية الثابتة، وحتى السلع المنافسة أو البديلة لم تنخفض أسعارها إلا بما نسبته 2 %، وعلى سبيل المثال، أشهر أربع علامات تجارية للأرز في المملكة ارتفعت بنسبة بلغت 12 %، والألبان ومنتجاتها زادت أسعارها بنسبة 25 %، والتمور التي تعتبر الدولة من منتجيها الكبار سجلت ارتفاعاً بنسبة 18 %، والبيض، ورغم أن رئيس جمعية منتجي الدواجـــن، أطلق تصريحاً صحافياً، يؤكد فيــــه عدم رفع أسعاره، ارتفع بعد التصريح بنسبة 20 %، ومثل هذه التصريحات الصحافية يجب أن يحاسب عليها أصحابها.

نسبــــــــة واردات المملكة إلى النــاتج المحلي الإجمالي، وفق أرقام البنك الدولي، لا تبتعد كثيراً عن 24 %، وتعتبر الأقل من بين كل دول الخليج، التي تتراوح نسبها ما بين 34 % و70 %، والسوق السعودي بحسب الإحصاءات الأممية لم يتأثر إلا بنسبة 5 %، ما يعني أن ارتفاعات الأسعار مفتعلة ومتفق عليها بين التجار، والتضخم المستــــورد في دول الخليـــــج بما فيها المملكـة، محصور في المواد الغذائية وحدها، بينما يصدر الخليج التضخم إلى العالم عن طريق أسعار النفط والغاز المرتفعة، وفي اليابان يعمل المنتجون على تحمل الزيادة في تكلفة السلع، حتى لا تتراجع مستويات الاستهلاك، وهذه الخصوصية اليابانية الملهمة، تحتاج إلى استنساخها وتوطينها.

الدولة لا تتدخل في الأسعار إلا في حالة السلع المدعومة حكومياً، وبعد الاتفاق مع التجار على أسعار معينة، وتعمـل على محاسبــــة المخالفين ممن يرفعون الأسعــــار بدون مبرر، أو لا يلتزمون بنظام حماية المنافســــــة، أو يبرمون اتفاقات مشبـــــوهة فيما بينهم، مثلما حدث في فتـــرة ماضية مع مستوردي الأرز، فقد تمت محاسبتهم ودفعوا غرامة قدرها 27 مليـون دولار، ويعتقـد جوزيف غوبلر، كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأميركية، أن ارتفاع الأسعار يعود إلى تراجع المنافسة في صناعة الأغذية، نتيجة للاندماج بين الشركات المتشابهة في أنشطتها الغذائية، وأعتقد أنها موجودة شكلياً في القطاع الغذائي بالمملكة.

توجد لجنة وزارية عليا للاستقرار المعيشي تم الإعلان عنها في بداية رؤية 2030، وهناك أجهزة تعمل على الجانب التنفيذي لهذا الاستقرار، ومن أمثلتها، هيئة المنافسة ووزارة التجارة، ودورهما هو التحقق من عدالة المنافسة ومنع الاحتكار، وضبط ومراقبة ارتفاع الأسعار التي تؤثر على معيشة الناس، وبالتالي فالمشكلة تنفيذية وليست تشريعية، والدليل أن التجارة لم تراجع نظام الوكالات التجارية، رغم صدور توجيهات بخصوصه قبل أعوام، والسبب تقصير الملحقين التجـــــاريين في 98 سفارة سعودية حول العالم، وعدم مراقبتهم الجادة للأسعار في بلدان تصديرها إلى المملكة، وإذا كان اتحاد الغرف التجارية السعودية بالتعاون مع منافذ البيع الكبرى، نجح في خفض السلــــع الأساسية خلال رمضان الماضي، فلا أتصور أنه سيواجه صعوبة في تعميم ما فعله على بقية شهور العام.

نقلاً عن جريدة "الرياض"
التعليقات (0)

التعليقات مغلقة