رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد الساعد
محمد الساعد

وعند باريس الخبر اليقين !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تعترف حكومة الجمهورية الفرنساوية، بأن «مملكة صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها» دولة حرة ذات سيادة ومستقلة استقلالاً تاماً مطلقاً.

كان هذا جزءاً من معاهدة «الجزيرة»، التي عقدت بين السعوديين والفرنسيين، ووقعت في مدينة جدة في وقت مبكر من تاريخ الدولة السعودية الناشئة، وتحديداً في العام 1350هـ 1931م، ومثل فيها الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية - حينها - جلالة الملك عبدالعزيز في التوقيع.

الاتفاقية المهمة أعطت للسعوديين دفعة دبلوماسية كبرى في ظروف صعبة كان يشهدها العالم حينها، إضافة لحروب ومؤامرات سددت على الدولة الناشئة السعودية ومشروعها العروبي الوحدوي.

للرياض في المشهد السياسي «السعودي الغربي» علاقة استراتيجية مع ثلاث عواصم غربية، وبالتأكيد علاقات جيدة مع الكثير من الدول الغربية الأخرى، لكن تبقى واشنطن ولندن وباريس هي الأكثر عمقاً، بسبب تشابك الاقتصاد والأمن والأسلحة.

وبين تلك العواصم الثلاث تبقى باريس هي الأكثر أناقة في تعاطيها مع المملكة، في رحلة علاقة امتدت لأكثر من 97 عاماً، ومع ملفات الاختلاف والتوافق بقيت باريس الأقل حدة والأسرع مودة.

ولكي نقترب أكثر من تلك العلاقة الفريدة، سنلقي الضوء على بضع محطات في تاريخ السعودية وفرنسا.

أولاً: جاء الاعتراف الفرنسي المهم والمبكر بحكم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود «ملكاً للحجاز وسلطاناً لنجد ومُلحقاتها» العام 1345هـ 1926م، بادرةً ممتازةً وإعلاناً لنوايا حسنة تجاه الدولة الجديدة، أكدت أن القوى الكبرى في العالم - حينها - تتفهم القرارات المحلية والشعبية التي أثمرت التفافاً حول الملك عبدالعزيز في سعيه لاستعادة ملك آبائه وأجداده وإعادة تشكيل دولته.

ثانياً: في العام 1348هـ 1929م، أكمل الفرنسيون اعترافهم السياسي بخطوات دبلوماسية وإرسال قنصل مكلف بالأعمال الفرنسية لدى السعوديين.

ثالثاً: على إثر إعلان توحيد المملكة العام 1351هـ 1932م، كانت فرنسا من أوائل الدول التي باركت الإعلان، وأقامت من فورها علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، منشئة أول بعثة دبلوماسية كاملة في مدينة جدة العام 1355هـ 1936م.

رابعاً: الاعتماد السعودي على الخبرات الثقافية الفرنسية جاء مبكراً جداً، وما يحدث اليوم من تكثيف لتلك الخبرات في مجالي الثقافة والفنون، خاصة في مدينة العلا والمناطق الأثرية الأخرى، هو امتداد لتلك العلاقة وتلك الثقة التي بدأت بعقد اتفاقية التعاون الثقافي والفني بين البلدين العام 1963م.

خامساً: في السياسة قام جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز برفع مستوى العلاقة أكثر عند زيارته التاريخية إلى فرنسا العام 1386هـ 1967م، وأجرى خلالها محادثات مكثفة مع الزعيم الفرنسي شارل ديغول، الزيارة جاءت في وقت عصيب شهده العالم العربي خلال الصراع العربي الإسرائيلي.

سادساً: كانت العاصمة الفرنسية محطة مهمة للملوك السعوديين، فقد زارها إضافة للملك فيصل، الملوك خالد وفهد وعبدالله،

وأخيراً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وفي المقابل لم تتوقف زيارات الرؤساء الفرنسيين للمملكة منذ الرئيس جيسكار ديستان 1979م وحتى الرئيس الحالي ماكرون.

سابعاً: سيذكر التاريخ طويلاً زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل العام 2013، في أعقاب الثورة المصرية الثانية، أو ما تعرف بثورة 30 يونيو، التي استطاع خلالها الأمير سعود كبح جماح الموقف الغربي الصعب والمتشدد من الحكومة المصرية التي تشكلت في أعقاب الثورة، مُوقفاً خلالها كل مشاريع العقوبات والخناق والتدخلات، وإقناع الفرنسيين بإعطاء خارطة الطريق المصرية فرصتها، وهو ما ضمن لمصر النجاة من مأزق صعب كان يتشكل داخل الدوائر الغربية، لقد غيرت تلك الزيارة وجه الشرق الأوسط وكتبت تاريخاً جديداً لشعوبه.

ثامناً: بين الزيارة الأولى التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لفرنسا العام 2015 والزيارة الحالية 2023، الكثير من المحطات والمشاريع والخبرات والاختلافات والتوافقات، وكذلك العديد من الزيارات الأخرى التي تمت بين الزعيمين الكبيرين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤكدة إدراكهما لأهمية العلاقة بين بلديهما، ليكون الأكثر إثارة هو اختيار باريس أن تكون محطة مهمة في تدشين وتسويق السعوديين لمشاريعهم الكبرى، مستذكرين أنها كانت واحدة من المحطات الرئيسية في مسيرة معرض الرياض بين الأمس واليوم، الذي افتتحه الأمير سلمان بن عبدالعزيز - أمير الرياض حينها - والرئيس الفرنسي جاك شيراك العام 1986م.

باريس الأنيقة المبهرة بتاريخها السياسي والثقافي والفني، اختارها السعوديون لتكون المحطة الأولى لواحد من المشاريع المهمة في الرؤية «إكسبو الرياض»، الذي سيصادف تدشينه العام 2030م، وهو التاريخ المحدد في مشروع الرؤية التي دُشنت لتكون رافعة اقتصادية وثقافية وسياحية كبرى، لدولة مركزية أطلقت مميزاتها التنافسية في عالم لا يعترف إلا بالإنجازات ولا يحترم إلا الأقوياء.

نقلاً عن "عكاظ"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up