logo
logo logo

الحج لا يقبل الوهم والتخمين

الحج لا يقبل الوهم والتخمين
لا بد من إيجاد حلول فاعلة ومعرفة أسباب إقبال الراغبين في الحج على الحملات الوهمية، رغم وجود 77 شركة مرخصة من وزارة الحج لخدمتهم، إلا إذا كانوا يعتقدون بقدرة المتاجرين برغباتهم على فعل المستحيل، وتوظيف شبكة علاقاتهم ومعارفهم لتجاوز النظام..

دورة مناسك الحج السنوية تستمر لستة أيام، وتكون ما بين يومي 7 و13 من ذي الحجة، أو خلال الفترة من 25 يونيو الجاري إلى الأول من يوليو القادم، في حج 2023، وقد تقل بمعدل يوم واحد للمتعجلين، ولعلها المرة الأولى التي يعود فيها الحــج إلى أعــــداده الطبيعية، منذ 2019، بعد الجــائحة واشتراطاتها الصحية، وقد تشرفت بالمشاركة العملية في حج 2019 وبالتخطيط لحج 2020 في المسجد الحرام، أيام كورونا، مع نخبة من منسوبي رئاسة الحرمين ووزارة الحج، وقمت بتدريس علم الحشود والتخطيط الاستراتيجي، وذلك كأستاذ متعاون بجامعة أم القرى في 2021، وكانت لي مبادرتين في الإدارة التقنية لحشود الحجاج، الأولى نشرتها صحيفة الاقتصادية السعودية قبل أعوام، والثانية في عهدة الأجهزة المختصة منذ عامين، ويمكن القول إن علاقتي بهذه الشعيرة ممتدة وليست طارئة، وأتكلم بحكم المعرفة الأكاديمية والخبرة الميدانية والقراءة المستمرة.

خـزينة الدولة لا تستفيد، في الواقع، من موارد الحج والعمرة، ما لم نقل إن مصروفاتها تتجاوز الإيرادات، وما يذهب إليها هو الضريبة المستحقة على مقدمي الخدمات بأنواعها، ومعها تأشيرة تزيد قيمتها قليلا عن ثلاثة دولارات، كرسوم تأشيرة عند الحج لأكثر من مرة، فتأشيرة الحج والعمرة للمرة الأولى مجانية لكل أحــد، وتم خفض التأمين على الحاج بنسبة 73 %، أو ما يقدر بحوالي 23 دولارا في الموسم الحالي، والمستفيد الفعلي هو القطاع الخاص، والحج والعمرة يلعبان دوراً أساسياً في تدفق النقد الأجنبي، وفي خلــــق الفرص الوظيفية، وإيراداتهما مجتمعة تصل في المتوسط إلى 12 مليار دولار سنوياً، ومعظمها يسجل كأرباح مباشرة للفنادق والمطاعم ووكالات السفر والسياحة، وأيضاً شركات الطيران والجوالات ومصنعي ومستوردي الهدايا.

الدولة تعمل على استثمارات في قطاع الحج والعمرة تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار، وبما يضمن استيعاب 30 ألف معتمر وخمســـــة ملايين حاج في 2030، والرقـــم المستهدف كبير ويفرض تحدياً لوجستياً عليها، إضافة لمشاريع البنية التحتية، والتي تشمل توسعة الحـرم المكي بقيمة 100 مليار دولار، ومشروع قطار الحرمين الذي كلف ثمانية مليارات دولار، ومشروع وجهة مسار بقيمة 27 مليار دولار، وهو مشروع تطويري سيفيد زوار مكة وأهلها لأعوام طويلة، بجانب تفعيل ثمانية مواقع تاريخية لإثراء تجربة الحاج وتثقيفه، وتأهيــــل المشاعر لتصبح وجهــة لزوار مكة طوال العام، وعدم قصرها على أداء الشعيرة، والحج والعمرة يوفران أكثر من مئتي ألف فرص عمل موسمية، والأخيرة ستحولها عملية تأهيل المشاعر من وظائف مؤقتة إلى دائمة.

إيرادات الحج والعمرة في المملكة تمثل مورداً مستمراً لن يتوقف، لأن الطلب عليهما غير مرن، ولا يتأثر بارتفاع الأسعـــــار، وتحديدا فيما يتعلق بالحج وكونه ركناً إسلامياً، فالمسلم مطالب بحجة واحدة في حياته، إن استطاع مالياً وجسمــــــانياً، والطلب أكثر من العرض بالنظر لأعداد المسلمين واقترابها من ملياري نسمـــــة، أو ما نسبتــه 25 % من إجمالي سكان العالم، وبحسب مركز (بيــــو) للأبحاث في أميركا، يعتبر الدين الإسلامي الأسرع نموا بين الأديان، وستصل أعـــداد المسلمين لحـــدود الثـــلاثة مليارات نسمة في 2050، وسيكون الإسلام الديانة العالمية الأولى في 2070، والسابق سيزيد من حجم التدفقات النقدية في قطاع الحج والعمرة، ومؤشرات (ماستركارد) أشارت إلى أن زوار مدينة مكة أنفقوا 20 مليار دولار في عام 2019 منفرداً، وصنفتها كثاني وجهة إنفاق سياحي في العالم.

إلا أن المتكرر في كل حج لا يخرج عن حملات حجاج الداخل الوهمية، ومعها هيمنة القرار البشري التخميني على إدارة الحشود، ولا بد من إيجاد حلول فاعلة لكلتا المشكلتين، ومعرفة أسباب إقبال الراغبين في الحج على الحملات الوهمية، رغم وجود 77 شركة مرخصة من وزارة الحج لخدمتهم، إلا إذا كانوا يعتقدون بقدرة المتاجرين برغباتهم على فعل المستحيل، وتوظيف شبكـــة علاقاتهم ومعارفهم لتجاوز النظام، وهذه غير ممكنة في ظل الأتمتة والبطاقة والأساور الذكية، وقبلها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وفي آخر حج طبيعي عام 2109، أوقفت 132 حملة وهمية، وأعيد أكثر من 330 ألف حاج مخالف، أو قرابة 30 % من إجمالي الحجاج المرخصين.

علاوة على أن متخذ قرار إدارة الحشود البشرية، قد يقيم ما يراه أمامه استنادا لتقديرات موقف غير دقيقة أو متغيرة، والدراسات أكدت أن مشاهدة بث تلفزيوني لمدة تزيد على أربعة ساعات، تجعل الشخص يفقد التركيز، ولا يلاحظ المشاكل الموجودة على الشاشة، والأنسب في رأيي هو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، في تحليل بث الكاميرات التلفزيونية وتحويله إلى أرقام، وبما يمكن الأجهزة المعنية من إعداد الخطط واتخاذ القرارات الصحيحة، فالجهد البشري مطلوب كقوة عضلية في الميدان، ولا يقارن بالكاميرات الذكية وقواعد بياناتها الضخمة، القادرة على تخزين كمية كبيرة من المعلومات، ومن ثم استعادتها في ثوان للتنبؤ بالمواقف الحرجة وتجنبها قبل وقوعها بساعات، وبما يحيد احتمالات الخطأ البشري.

نقلاً عن "الرياض"
التعليقات (0)

التعليقات مغلقة